الأطراف الفاعلة في هذا الملف الشائك. وقد فرضت تركيا مؤخرا امرا واقعا على كافة الأطراف المتصارعة بإلقاء ثقلها في الأزمة الليبية واستغلال دعمها لحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج لتمرير رسائل متعددة لدول الجوار ودول العالم بأن ليبيا باتت ورقة ضغط في يد حكومة رجب طيب أردوغان.
فمنذ توقيع اتفاق التفاهم الأمني العسكري بين حكومة تركيا وحكومة الوفاق في ليبيا المعترف بها دوليا ، تغير المشهد الداخلي في ليبيا وزادت المواقف المنقسمة بين مؤيد للتواجد التركي في ليبيا من ضبابية المشهد الليبي وكرس مزيدا من التشرذم والتفكك بين مختلف مكونات البلد الواحد الذي يعاني من أزمة خانقة سياسيا واقتصاديا منذ مايقارب الـ10 سنوات . إلى جانب الانقسام الداخلي خلفت الاتفاقية الأمنية الموقعة بين الطرفين انقساما دوليا حادا خاصة بعد ماخلفته من تحالفات على صعيدين من جهة المؤيدين لمايعرف بجيش خليفة حفتر ومن جهة أخرى المؤيدين لحكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج.
هذا التصعيد تلته تهديدات مصرية (مصر تدعم حلف حفتر) بشرعية تدخلها عسكريا في ليبيا في حال مثل الواقع الليبي تهديدا لأمن حدودها ، وهو ماخلف ردود فعل منقسمة بين مؤيد ورافض. مواقف دول الجوار ترجمتها القمة العربية الطارئة على مستوى وزارة الخارجية والتي انعقدت قبل يومين ، ووفق البيان الصادر عنها فقد أجمعت الدول على رفض «التدخل الأجنبي والإرهاب والتقسيم، والتأكيد على ضرورة الحل السياسي ووحدة ليبيا واستقرارها»، كما تضمن القرار دعوة لوقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين.
وأكد قرار جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، دعم الجهود المصرية لحل الأزمة الليبية، وأيد جهودها لوقف إطلاق النار، وشدد على أن مصر تحتفظ بالحق في الأخذ بزمام المبادرة لكون الأزمة الليبية تمس من أمنها الوطني.
بين الناتو والأفريكوم
هذه المواقف العربية يضاف إليها مواقف الدول الغربية التي انقسمت مواقفها تجاه ليبيا كذلك، إذ أعلن وزير الداخلية الليبي عن تباحثه مع مسؤولين أمريكيين حول مجال التعاون الأمني، وعقد وزير الداخلية بالحكومة الليبية، فتحي باشاغا، اجتماعا مع عدد من المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك لمناقشة التعاون الأمني. ويأتي هذا الإجتماع بعد مفاوضات جمعت حكومة السراج بـ«الأفريكوم» تعلقت أيضا بالتنسيق الأمني بين الطرفين، وهو ما اعتبره البعض بداية وضوح في الإستراتيجية الأمريكية تجاه ملف ليبيا والذي ظل يتسم بالغموض منذ حادث مقتل السفير الأمريكي في طرابلس ، ولعل من بين أهم أسباب عودة الاهتمام الأمريكي بالملف الليبي هو تزايد أدوار كل من روسيا وتركيا هناك وهو ما
يقض مضجع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر ليبيا مدخلا نحو باقي دول منطقة الشمال الإفريقي ممايعني أن المطامع في ليبيا تعني وجود مطامع في الشمال الإفريقي عامة .
كان لـ«الأفريكوم» دور فاعل في ليبيا ، تراجع في البداية بعد حادثة السفير الأمريكي في ليبيا وعاد مؤخرا إلى الواجهة في ظل تزايد نفوذ أطراف دولية على غرار تركيا وروسيا مما زاد من مخاوف البيت الأبيض من اختلال التوازن وحدوث فجوة في موازين القوى .
ولعل الدور الروسي في ليبيا لم يقلق أمريكا فحسب بل كان كذلك مصدر قلق لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، إذ يرى مراقبون أنّ تزايد النفوذ الروسي في ليبيا والهزائم التي تكبدتها قوات خليفة حفتر، دفعت حلف الناتو إلى إيضاح موقفه من الصراع الليبي ، في حين يواجه اتهامات وانتقادات من الجانب الفرنسي الذي يؤكد باستماتة موت الحلف «»سريريا» . ما سبق يؤكد تغير استراتيجية «الناتو» المتعلقة بالملف الليبي، خاصة بعد إعلانه عن نيته المساعدة في بناء المؤسسات الدفاعية والأمنية الليبية، ومساعدة حكومة طرابلس.
ورغم ذلك ما زالت فرنسا تواصل هجومها المستمر على تركيا حليفتها في الناتو، بسبب دعم أنقرة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، وفقا لاتفاقيات وقعها الجانبان. ووصل الأمر إلى حد أن وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقادات حادة للحلف التاريخي، معتبرا إياه «ميتا سريريا».