أحرجت الدبلوماسية التونسية ووضعتها في وضع لا تحسد عليه أمام العالم...فبعد يوم واحد من زيارته المفاجئة الى بلادنا ، أعلن اردوغان عن أن انقرة سترسل قوات إلى ليبيا بناء على طلب من الحكومة الليبية في مطلع الشهر المقبل، مما يدفع أكثر نحو تأزم الوضع الليبي المتفجر أصلا.
وقال في كلمة ألقاها أمام أعضاء حزب العدالة والتنمية «نظرا لوجود دعوة من ليبيا في الوقت الراهن فإننا سنقبلها». وأضاف «سنضع مشروع قانون إرسال قوات لليبيا على جدول الأعمال بمجرد بدء جلسات البرلمان». وتابع قائلا إن البرلمان قد يقر التشريع في الثامن أو التاسع من جانفي المقبل، مما يفتح الباب لنشر القوات». وتزامنت تصريحات اردوغان ايضا مع تأكيد السفير الليبي في أنقرة عبد الرزاق مختار أحمد عبد القادر، ان «ليبيا بحاجة إلى الدفاع الجوي والتدريب الخاص، والخبرة لدعم المقاتلين في الميدان». ودافع السفير الليبي عن الدعم التركي بالقول : «الدعم العسكري لا يعني الإضرار بالشعب الليبي، بل سيساعد على الأمن والاستقرار. والبلدان شقيقان وليسا صديقين فقط».
وتابع «ليبيا دعمت تركيا بشأن قضية قبرص، والآن تستجيب لنا عندما نحتاج نحن». استعدادات حثيثة ويسعى اردوغان الى دعم حلفائه في حكومة الوفاق بعد ان تمكن حفتر من مهاجمة العاصمة الليبية والسيطرة على بعض احيائها الحيوية.
وقد زادت الاتفاقية المشتركة الموقعة بين حكومة السراج وانقرة من تأزم الوضع في ليبيا التي باتت اليوم ساحة مفتوحة لصراع الايرادات الخارجية، فيما تبدو دول الجوار الليبي في موقف صعب امام حرب دولية كبرى تقترب شيئا فشيئا من حدودها مع ليبيا دون ان تكون لها القدرة على وقف النزيف . فالمعلوم ان الحرب الدائرة اليوم في ليبيا هي في احد أشكالها حربا للسيطرة على الغاز والنفط والذهب الأسود الليبي الذي تحول الى نقمة على أبناء الشعب الليبي عوضا عن ان يكون نعمة عليهم، ويدفعهم الى مزيد استقرار الاوضاع في بلادهم . فكلما اقتربت الأزمة الليبية من حل وشيك وكلما اقترب موعد عقد مؤتمر للسلام والمصالحة في ليبيا إلاّ وكان الرصاص الطائش أسرع الى ايقاف أية محاولة لجمع الليبيين على طاولة واحدة .
وكأن الايرادات الخارجية المؤثرة في الصراع الدائر، ليس من مصلحتها تحقيق المصالحة أو التسوية الليبية ما دامت مصالحها في هذا البلد ليست مضمونة بالشكل الأنسب لها وليس الأنسب الى الليبيين . وتتواصل استعدادات الطرفان في ليبيا سواء حكومة فايز السراج والقوات التابعة لها او الجيش الليبي بقيادة حفتر لهذه الحرب الوشيكة . وكان تقرير للأمم المتحدة في نوفمبر تحدث عن إن طائرات مسيرة صينية الصنع منحت حفتر «تفوقا جويا محليا»، بمقدورها حمل متفجرات تزن ثمانية أمثال ما يمكن للطائرات المسيرة الممنوحة لحكومة الوفاق الوطني حملها كما تغطي أيضا ليبيا بأكملها.
المواقف الدولية والإقليمية
تتقاطع المواقف الدولية بشأن هذه العملية التركية الوشيكة ، فقد اجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي اتصالات هاتفية رفضا خلاله «الاستغلال الخارجي» لليبيا.
وقال البيت الأبيض «الزعيمان... اتفقا على ضرورة اتخاذ الأطراف إجراءات عاجلة لحل الصراع قبل أن يفقد الليبيون السيطرة (على بلادهم) لصالح أطراف خارجية». وفي الحقيقة فان واشنطن يبدو انها تتخوف من تزايد النفوذ الروسي في ليبيا بعد ان تمكنت موسكو من اكتساح الساحة السورية وقلب المعادلة لصالح حلفائها في دمشق ضد محور واشنطن وحلفائها . فأنقرة التي بدأت منذ ثلاث أشهر توغلا في شمال شرق سوريا -تحت تعلة محاربة الأكراد وحماية أمنها القومي- ، هاهي اليوم ترسل امدادات عسكرية الى حكومة السراج بالرغم من قرار حظر التسليح الذي فرضته الأمم المتحدة .
في حين أبدت موسكو قلقها من احتمال نشر تركيا قوات في ليبيا لدعم حكومة السراج. وقال الكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي اتفقا على أن الموقف في ليبيا يجب حله سلميا. وكان أردوغان قد اتهم روسيا بإرسال ما اسماهم بـ«مرتزقة فاجنر» المرتبطة بالكرملين لمساندة حفتر. مؤكدا ان روسيا موجودة اليوم بألفي مقاتل».
أما في ما يتعلق بمواقف تونس ودول الجوار الليبي، ففي الوقت الذي اكد فيه رئيس الجمهورية قيس سعيد في بيان ان تونس لن تقبل ان تكون عضوا في أي تحالف او اصطفاف على الاطلاق ولن تقبل ان تكون ابدا أي شبر من ترابها الا تحت السيادة التونسية وحدها مشيرا الى ان الحديث عن ان تونس تدعم حكومة السراج ليس سوى مجرد افتراء وتشويه ، دون اعطاء موقف واضح في ما يتعلق بالعملية التركية المحتملة، كان موقف الجزائر واضحا وحاسما اذ قال عضو مجلس الأمة الجزائري عن حزب جبهة التّحرير الوطني عبد الوهاب بن زعيم إن «الرئيس الجزائري الجديد يولي اهتماما كبيرا بالملف الليبي»، مضيفا أن «الجزائر يهمّها الاستقرار في ليبيا وسيكون لها دورا فعالا في القضية الليبية من ناحية الحوار».
وأضاف بن زعيم في تصريح تبون سيفعل كل ما بوسعه لدعوة الاخوة الليبيين الى الحوار لتجاوز الأزمة»، نافيا احتمال التّدخل العسكري لبلاده في أراضيها، بالقول «الجزائر لا يمكنها بأي حال من الأحوال التدخل في ليبيا عسكريا». وحتى الرّئيس السابق لحزب حركة مجتمع السّلم أبو جرة سلطاني، اكد أن «الاستقرار الليبي يهمّ الجزائر وأمن دول الجوار مهم لذلك ظهر الحرص على تأمين الحدود مع الدّولة الشّقيقة التي تعيش مرحلة صعبة».وتابع سلطاني «هناك فرق كبير بين الموقف السياسي الذي يريده منا جيراننا والتدخل العسكري الذي لن يحصل، ولكننا نرى أنفسنا معنيين بما يحدث أمنيا»، مستبعدا أن تقدم الجزائر على تدخل عسكري في ليبيا».
اما على المستوى اللوجستي فقد اتخذت الجزائر تدابير لحماية حدودها مع كل من ليبيا ومالي، جاء ذلك في بيان للرئاسة الجزائرية اوضح ، أن «المجلس قرر، في هذا الإطار، جملة من التدابير يتعين اتخاذها لحماية حدودنا وإقليمنا الوطنيين» دون ذكر طبيعتها. وتابع أنه قرر «إعادة تفعيل وتنشيط دور الجزائر على الصعيد الدولي، خاصة في ما يتعلق بهذين الملفين (ليبيا ومالي)، وبصفة عامة في منطقة الساحل والصحراء وإفريقيا». ولمح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال تنصيبه قبل أيام، إلى رفض بلاده لمؤتمر برلين الجاري التحضير له حول الأزمة الليبية، دون حضور أطراف الأزمة أنفسهم ودول الجوار. وقال: «لن تقبل الجزائر أبدا بإبعادها عن الحلول المقترحة للملف الليبي».
الاستراتيجية التركية
ويعتبر الباحث المختص في الشأن التركي خيام الزعبي في تصريح لـ«المغرب» ان اهداف اردوغان من العملية المحتملة في ليبيا هو احتلال طرابلس الليبية كما يسعى حالياً الى تحقيق أحلامه القديمة، وكان قد أرسل مستشارين عسكريين لمساعدة قوات «حكومة الوفاق الوطني»، التي يقودها السراج، ضد حكومة الجنرال، «خليفة حفتر» بالإضافة إلى أنه يقدم له أيضاً الدعم المالي والسياسي، كما وقَّع إردوغان، مؤخراً مع «حكومة الوفاق» الليبية اتفاقيتين من شأنهما أن تشعلا الأوضاع في المنطقة بأكملها.
والاتفاقية الأولى تسمح للرئيس التركي بإرسال قوات عسكرية وأسلحة إلى حكومة طرابلس، أما الاتفاقية الثانية فتتعلق بترسيم الحدود البحرية للطرفين، وانطلاقا من ذلك فان اردوغان يسعى عبر مخططاته إلى تدمير ليبيا وإعادة النفوذ العثماني من جديد هناك. وتابع:«ولا يخفى على احد الوهن والفشل الذي حل بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الذي وصل الى نهاية دوره وجعلته في مهب الريح، بعد الهزائم المتلاحقة يتم النظر اليها من داخل الحزب على أنها نتيجة طبيعية للفشل السياسي الداخلي، والأزمة الاقتصادية، والسياسات المتهورة خارجياً، وفي الطرف الآخر كبد الجيش السوري الميليشيات المسلحة في ريف ادلب خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وأصبحت مشاهد الهروب الجماعي لهذه المليشيات ومرتزقتها أمام ضربات الجيش السوري حديث الناس في سوريا والمنطقة بأكملها الذي من خلاله شارفت لعبة كسر القيود على نهايتها». وأكد الزعبي ان اردوغان لم يبق لديه أي ورقة ليناور، بعد حرق ورقة « المنطقة الآمنة» وفشلها في سوريا، إلا خيار الاستسلام أو الموت، وما كان يحلم به من حصاد وفير ذهب أدراج الأحلام في ظل الضربات الموجعة التي تتلقاها الجماعات المدعومة منه على يد الجيش السوري. ولعل السؤال المطروح اليوم هو أية تداعيات للحرب التركية الوشيكة في ليبيا سواء بالنسبة للداخل الليبي او دول الجوار وهل تهيأت بلادنا للعاصفة القادمة؟