بعد قرار المحكمة العليا الاسكتلندية باعتبار تعليق البرلمان «غير قانونيا» وبسماح استرجاع النواب مكانهم في مجلس العموم، خلافا لحكم المحكمة العليا لإنقلترا وبلاد الغال التي قضت من قبل بقانونية القرار. لكن الحكومة أعلنت عن عدم رضاها بالقرار القضائي و قدمت استئنافا لدى المحكمة العليا البريطانية لإيقاف تنفيذه و ذلك في انتظار قرار المحكمة العليا لأيرلندا الشمالية المنتظر لهذا الأسبوع.
في نفس الوقت، بعد أن وافقت الملكة إليزابيث الثانية على قرار الحكومة بتعليق أشغال البرلمان إلى حد يوم 14 أكتوبر، وقعت كذلك على نص القانون الذي يلزم الوزير الأول بطلب تمديد في مهلة البريكست، الشيء الذي كان بوريس جونسون قد رفضه نهائيا. وبذلك قيدت الملكة الأيادي التي كانت قد أطلقتها ضد البرلمانيين. وأحدثت هذه القرارات والقرارات المضادة جدلا حادا في بريطانيا حول تدهور الحياة السياسية والمأزق الدستوري الذي دخلت فيه بعد أن هدد الوزير الأول، الذي لا يتمتع بأغلبية في البرلمان إثر تصويت 21 نائبا من حزبه ضده وعزلهم من حزب المحافظين الحاكم، بعدم الانصياع لقانون فرضه البرلمان و وقعت عليه الملكة. و ذهب بعض الخبراء في القانون الدستوري إلى القول إن مصير بوريس جونسون سوف يكون السجن إذا ما لم يطبق القانون المطالب بتقديم طلب للإتحاد الأوروبي بتمديد مهلة البريكست إلى 31 جانفي 2020.
قنبلة دستورية
الاستئناف المقدم من قبل الحكومة يوم الأربعاء لدى المحكمة العليا البريطانية اعتبره المحللون في لندن سلاحا ذو حدين. فهو، في صورة تثمين موقف الحكومة ودعم القرار القضائي الإنغليزي ، يدخل البلاد في مأزق حاد لا يعرف أحد مصيره. إذ تواصل الحكومة، التي شهدت عدة استقالات الأسبوع الماضي وخسرت أغلبيتها في مجلس العموم، ممارسة السلطة «بصورة غير دستورية». و إن واكبت المحكمة العليا البريطانية قرار المحكمة العليا الاسكتلندية واعتبرت موقف بوريس جونسون «غير قانوني» فذلك سوف يكون له تداعيات جسيمة على الحكومة و على المشهد السياسي.
واعتبر خبراء القانون الدستوري أن هذه الحالة الأخيرة تعني أن الوزير الأول قد يكون قدم للملكة و للبرلمانيين معلومات مغلوطة تتعلق بطلب تعليق أشغال مجلس العموم. وهو وضع لا يطاق بالنسبة للوزير الأول. وطالبت، في هذا الخضم، بعض الوجوه البارزة في المعارضة وفي حزب المحافظين الحاكم الوزير الأول بتقديم استقالته لتسهيل الخروج من المأزق الحالي. لكن بوريس جونسون الذي يلعب ورقة «الشعب ضد البرلمان» فتح حوارا مباشرا مع الجمهور على شبكة الاتصال الاجتماعي فيسبوك – عوضا عن موعد مساءلة الوزير الأول في البرلمان – للرد على بعض الأسئلة و تحميل المسؤولية للبرلمان «الذي لم يطبق قرار الشعب القاضي بالخروج من الإتحاد الأوروبي».
شبح الطلاق بدون اتفاق
مسلسل البريكست لم ينته بعد ولا تزال العواصم الأوروبية تنتظر ما يمكن أن يحصل في بريطانيا العظمى ، أعرق ديمقراطية في العالم، و التي تعاني من قرار تعليق البرلمان الذي لم تشهد الديمقراطية البريطانية مثيله منذ القرن السابع عشر. خوف الأوروبيين من ضبابية المشهد السياسي البريطاني يوازي خوف البريطانيين من موعد 31 أكتوبر، يوم انتهاء المهلة وخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي بدون اتفاق. فقد نشرت الحكومة يوم الأربعاء 11 سبتمبر، استجابة لقرار البرلمان، التقرير الرسمي الذي يوضح الصورة التي سوف تكون عليها بريطانيا مع موعد الطلاق من أوروبا.
وأكد التقرير الحكومي ما تم تسريبه في شهر أوت الماضي من قبل صحيفة دايلي نيوز اللندنية والذي أشار إل المخاطر الجسيمة التي تهدد بريطانيا والمتعلقة بحوالي 12 ميدانا حيويا مثل الماء الصالح للشراب والأدوية والأغذية وقطع الغيار والمواصلات وغيرها من الميادين الحساسة التي تهدد بشل حياة البريطانيين. وذهب التقرير إلى الإشارة إلى إمكانية حصول اضطرابات في الأمن العام من جراء ذلك. و توقع الخبراء أضرارا جسيمة تهدد عشرات آلاف المواطنين من جراء عدم قدرة الحكومة على تأمين المواد الكيماوية الضرورية لتنقية المياه الصالحة للشراب. سيناريو قاتم تم نشره في جل الصحف البريطانيا زاد في تأزم الوضع الداخلي و جعل الأصوات تتعالى في صفوف الأحزاب داعية بوريس جونسون لتقديم استقالته. لكن استقالة الوزير الأول لن تحل المشكلة بصورة جذرية . لأن التقاليد الدستورية البريطانية تفرض، قبل الدخول في تحضير انتخابات سابقة لأوانها، تشكيل حكومة لتصريف الأعمال وهو شيء غير سهل بالمرة في هذه الأيام التي تشهد انقسامات حادة داخل مجلس العموم و غياب أغلبية واضحة بإمكانها دعم شخصية وطنية لإنقاذ البلاد. ومن ناحية أخرى المشهد السياسي يبقى منقسما مثله مثل الرأي العام البريطاني بين مساند للخروج من أوروبا بدون اتفاق «كلف ذلك ما كلف» و بين مساندي «الطلاق المرن» الذي لم يجد إلى حد الآن أغلبية في البرلمان لمساندته.