الأعمال العسكرية رغم أن المجموعات المسلحة والقوى المتطرفة يخرقون الهدنة منذ أول يوم من الإتفاق على وقف إطلاق النار، كما يرفضون مقترح الأمم المتحدة بوقف الأعمال العسكرية وكأنهم مستفيدون من الصراع الداخلي، أو كأنهم تجار حروب وسيخسرون في حال توقف الاقتتال، وفي المقابل، فإن خروج بعض الفصائل المسلحة من الهدنة العسكرية والالتحاق بجبهة النصرة، قد طرح أسئلة مهمة حول مدى جدية المعارضة المسلحة في الالتزام بالهدنة ثم بالعملية السياسية.
من المؤكد أن أمريكا لا يهمها نجاح أو فشل المفاوضات السياسية لحل الأزمة السورية، بل كل ما يعنيها إطالة أمد الصراع ، وفي إطار ذلك غير معروف إلى الآن، هل ستعود المعارضة إلى المفاوضات في جنيف في العاشر من الشهر القادم، وهو الموعد الذي حدده نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف لعودة الوفد السوري إلى جنيف لاستئناف التفاوض؟ أم أن وفد المعارضة سيظل على موقفه في أن استئناف المفاوضات لن يحدث قبل تغير المعطيات السياسية والعسكرية؟. وأمام هذا الوضع كان على دي ميستورا الاختيار بين موقفين، ولأنه لا يتحمل فشل المفاوضات أو حتى تأجيلها بعدما تأجلت المرة السابقة، فقد أعلن أن المفاوضات مستمرة، لكن بشرط تدخل موسكو وواشنطن وبعض الحلفاء سريعاً لاستمرار مفاوضات جنيف، وبطبيعة الحال، فإنّ وقف وفد المعارضة المفاوضات السياسية، لا يعني أنها لن تعود، فهذا أمر خارج قدرتها لأنه قرار مرتبط بالمجتمع الدولي، كون المعارضة لا تملك أي وسيلة ضغط على المجتمع الدولي سوى الانسحاب من المفاوضات أو التلويح بالانسحاب، وفي إطار ذلك سيعود وفد المعارضة المفاوض إلى جنيف، سواء الشهر المقبل أو بعده، فليس مهماً تاريخ معين، بل المهم هي آليات وأهداف التفاوض، وبدون اتفاق المجتمع الدولي على هذه المسائل، ستبقى المفاوضات تراوح مكانها دون أي خطوة الى الأمام.
اليوم سقط عشرات الشهداء والجرحى في أعنف قصف من قبل المجموعات المسلحة على عدد من أحياء مدينة حلب فضلاً عن التفجيرات التي حصلت في السيدة زينب، معظم الضحايا كانوا من بين الأطفال والنساء، ، هذه الخروق دلائل واضحة ان الطرف الأخر، وفد الرياض وحلفاؤهم، لا يريد استقرار هذه التهدئة ويحاول قدر الإمكان أن يكون حجر عثرة أمام هذه المفاوضات.
من الواضح بات السوريون يدركون جيداً أن صراع الأطراف الدولية والإقليمية في سوريا، كان من أهم العوامل التي أعاقت، ولم تزل، التوصّل إلى حل سياسي، فضلاً عن أن المجموعات المسلحة لم تخرج عن كونها أدوات مرتهنة لمصادر التمويل، ففي هذا المشهد المركّب، تتعرض الدولة السورية لتدمير ممنهج، ومن هنا، بات الحل السياسي متفاوتا بين أطراف متناقضة ومتصارعة، فالمجموعات الإسلامية المتطرفة ترى أن الحل السياسي ينحصر في إقامة «دولة إسلامية»، التي تحاول تعزيز وإرساء دعائمها الغريبة المختلفة عن تقاليد وثقافة السوريين وتراثهم الإسلامي المعتدل، أما أطراف المعارضة الخارجية فإنها تعاني من فشل سياساتها ورهاناتها الدولية، وتلاعب الأطراف الدولية بمكوناتها وآليات اشتغالها السياسية، هذه الأطراف ومن يمثلّها من مجموعات مقاتلة، لا تزال تتمسك بالآليات والأهداف السياسية نفسها التي أثبتت مجريات الأزمة فشلها، ومع ذلك، لا تزال تلك القوى المعارضة ترى أن المدخل إلى الحل السياسي ينحصر في إسقاط النظام، فيما بعض المجموعات المتقاتلة ترى أن مصالحها تكمن في استمرار الصراع، ولا يعنيها أي توافق سياسي، أما في ما يتعلق بتيارات المعارضة الداخلية فإن بعض أطرافها تسعى للمشاركة في أي حوار سياسي، وتوافق على المشاركة السياسية أياً يكن مستواها وشكلها ونتائجها السياسية للحفاظ على مستقبل سورية، وعلى الصعيد الآخر تلقت القوى المتطرفة وأعوانها دعما عسكرياً من الدول الغربية وحلفائها العرب إذ زودتهم بصواريخ تاو الأمريكية الصنع المضادة للدبابات والتي ساعدتهم على صد هجمات الجيش السوري في بعض المناطق، وهناك بعض الدول خاصة واشنطن التي تلعب لعبة مزدوجة في تعاطيها مع ملف الأزمة السورية إذ أنها في العلن تؤيد الحل السياسي، بينما تحت الطاولة تساعد وتدعم المسلحين، والاختلاف الأساسي المتعلق برحيل الرئيس الأسد بين أمريكا والسعودية من جانب وبين إيران وروسيا من جانب آخر، فمجمل هذه العوامل والمعطيات قد تؤخر الحل السياسي السوري وتزيد من تعقد التوصل إلى حل للأزمة السورية في القريب العاجل.
مجملاً... إن سبيل حل الأزمة السورية عند الإدارة الأمريكية وحلفاؤها أن تبقى أزمة ليتم استخدامها في التهديدات من الإرهاب وبناء تحالفات سياسية جديدة وإعطاء إسرائيل الوقت الكافي لكي تختبر الحقائق على الأرض، فسياسة اللاحسم التي تمارسها واشنطن، تعكس سياسة مقصودة منها لإغراق الجميع في المستنقع التي صنعته داخل سورية، وانطلاقا من ذلك أرى أن الحل معقد وشائك ما لم يتم الضغط على كل الدول الشريكة في سفك الدم السوري وحلفائها في المنطقة كي يتوقفوا عن دعم الإرهاب والتدخل في الشأن السوري وأن يتركوا سورية للسوريين للخروج من هذه الأزمة، وباختصار شديد يجب على الجميع بذل المزيد من الجهود لإنجاح هذا المؤتمر المنتظر عقده لتعزيز الحل السياسي في سوريا، فهذا المؤتمر قد يكون آخر فرصة لإنقاذ سورية والمنطقة بأكملها من الفوضى والدمار،وإيصال سوريا الى بر الأمان، والحفاظ على وحدتها وتعددية مجتمعها.
الدكتور خيام الزعبي