البحر الأبيض المتوسط تعنى بالحرب على الإرهاب و التصدي للهجرة غير الشرعية خاصة بالشأن الليبي. كونتيه ،الذي ينوي مستقبلا تنظيم قمة روما حول ليبيا، يهدف إلى شق الطريق أمام النفوذ الفرنسي في ليبيا و اتخاذ الإجراءات الحاسمة في مسألة الهجرة بعيدا عن التعقيدات الأوروبية، خاصة بعد استبعاد روما من قبل باريس و برلين من النقاشات حول مستقبل الإتحاد الأوروبي.
بين روما و واشنطن هنالك أكثر من موضوع تلاقي. في مقدمتها ما صرح به رئيس الوزراء الإيطالي في أن الطرفين هما «قوات تغيير» هدفهما هو إرساء علاقات جديدة على المستوى الدولي. ترامب وكونتيه يلتقيان أيضا في رغبتهما تحسين العلاقات مع فلاديمير بوتين وإعادة ترتيب الحلف الأطلسي والعمل المشترك على نفس الأسس الشعبوية القومية.
الملف الليبي
أهم المواضيع المطروحة للنقاش مع ترامب تتعلق بحل المسألة الليبية التي تعتبرها روما مسألتها الأم في المتوسط. خلال السنة الماضية، وقبل الانتخابات التشريعية التي أتت بالحكومة الشعبوية الجديدة، تقدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدة مبادرات تجاه طرابلس نجح فيها في جعل المشير حفتر ورئيس الوزراء السراج يقبلان الحوار والتفاوض في حل شامل. و سجلت باريس تقدما في القمة الأخيرة حول ليبيا التي قبلت خلالها الفصائل المشاركة في خارطة طريق جديدة مقترحة من قبل الجانب الفرنسي ولا تستثني المشاركة الإيطالية. لكن روما أصبحت تشعر بأن باريس تريد استبعادها من الملف الليبي وفرض أجندتها بالتعاون مع أطراف ليبية و إقليمية.
تشكيل «غرفة قيادة مشتركة» في المتوسط بين روما وواشنطن تعيد الحليف الأمريكي إلى ساحة المناورات الدبلوماسية و العسكرية في جنوب أوروبا خاصة أن كونتيه اقترح أن يشارك الجانبان في مستوى وزير الدفاع و وزير الخارجية وهي المجالات التي يمكن للولايات المتحدة استغلالها جيدا بحكم تواجدها العسكري عبر البحرية المرابطة في المتوسط و كذلك عبر أكثر من 100 قاعدة عسكرية لها على التراب الإيطالي. في الأخير الموافقة الأمريكية على هذا التحول في المنطقة، إن كان لها أن تكون، تخرج أوروبا بالفعل من دائرة القرار المنفرد في الشأن الليبي. لكن على روما أن تستغل الإجراءات الأخيرة المفعلة مع الأطراف الليبية لضمان دور أكبر على الساحة الليبية حتى تتمكن من تحييد الدور الفرنسي.
ملف الهجرة
موقف الحكومة الإيطالية الجديدة الذي عبر عنه وزير الداخلية ماتيو سالفيني بمنعه استقبال البواخر الأوروبية المحملة بالمهاجرين واللاجئين التي قامت بإغاثتهم في البحر. وهو ما هز التوافق الأوروبي الحاصل من خلال اتفاقية دابلين. و لا تزال أوروبا تبحث عن حل توافقي يرضي إيطاليا و يفرض على الدول المعارضة للاتفاقية استقبال قسطها من اللاجئين. لكن في نفس الوقت تتقدم روما بمقترحات خارج التوافق الأوروبي تهدف إلى فرض حصار بحري على المياه الإقليمية الليبية يمنع دخول المهاجرين إلى التراب الإيطالي كما هو الحال الآن لأن إيطاليا هي أهم معبر للهجرة في جنوب أوروبا بعد أن حصل الاتفاق مع تركيا لحراسة حدوده الغربية ومنه المهاجرين من عبورها.
الحليف الوسيط
ملفات اللجوء و الهجرة و الحل السياسي في ليبيا لها ارتباطات عدة وتتشابك فيها المصالح على المستوى القومي الليبي و لها تفرعات اقليمية لا يمكن لإيطاليا أن تحلها بمفردها. لذلك تحاول الحكومة الإيطالية أن تلعب، بمساندة أمريكية، دور الوسيط بين واشنطن و بروكسل من جهة و بين الفاعلين الليبيين المتحاربين من جهة أخرى. لكن الحكومة الإيطالية لا تتحكم في كل الخيوط. و لا يعرف إن تلتقي رغبة الحكومة الإيطالية مع المصالح الأمريكية.أما الجانب الأوروبي الذي له احتراز كبير على السياسات الشعبوية الإيطالية و على أسلوب ماتيو سلفيني في إدارة ملف الهجرة لن يفتح الباب أمام قبول المواقف المتطرفة.
يقترح كونتيه كذلك على ترامب لعب الوسيط مع بروكسل في المسائل العالقة مع أوروبا و المتعلقة بالضرائب الجمركية و بالعلاقات الإقتصادية و التجارية بين الطرفين. لكن يبدو أن الاتفاق الحاصل أخيرا بين رئيس المفوضية جون كلود يونكر و الرئيس ترامب لا يعطي مكانا لإيطاليا و لأي دولة عضو في الإتحاد. بل هو إطار تفاوض بين المفوضية و الإدارة الأمريكية. و لا يسمح ذلك أن يكون لإيطاليا فيه دور حاسم خارج المجلس الأوروبي.
تحرك الحكومة الإيطالية لضمان مساندة أمريكية يهدف إلى دعم مطالبة أوروبا بتغيير سياسة الهجرة والتخلي عن العقوبات ضد موسكو والإسهام في الحل النهائي لشكل الإتحاد الأوروبي من أجل ضمان المصالح الإيطالية كما يراها الثنائي الحاكم في إيطاليا. لكن تشعب المشاكل المتعلقة بذلك و بالدور الذي تريد إيطاليا لعبه في المتوسط يحدث شرخا إضافيا في الصف الأوروبي يمكن أن يستغله الرئيس الأوروبي لتمرير سياسة «فرق تسد».