أمام بواخر الهجرة برفضه تمكين باخرة «أكواريوس» الناقلة ل 629 مهاجرا تم إنقاذهم في البحر الأبيض المتوسط من دخول مواني إيطاليا. ورفضت كذلك مالطا استقبال الباخرة.
و إن خلف هذا القرار استياء جل الدول الأوروبية و منظمة الأمم المتحدة و الجمعيات الخيرية المتخصصة في إنقاذ المهاجرين الوافدين إلى أوروبا عبر البحر، فلم تتراجع الحكومة الإيطالية في قرارها مما جعل بيدرو سانتشاز، الوزير الأول الإسباني الجديد، يقترح فتح ميناء فلينسيا للباخرة. و أمام تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي شجب « وقاحة و عدم مسؤولية الحكومة الإيطالية» ، تدهورت العلاقات بين إيطاليا و فرنسا وقررت الخارجية الإيطالية استدعاء السفير الفرنسي للمساءلة. و هددت بإلغاء اللقاء المبرمج ليوم الجمعة 15 جوان بين رئيس الوزراء جيوزيبي كونته والرئيس إيمانويل ماكرون إذا لم تقدم باريس اعتذاراتها لروما.
القرار الإسباني مكن من إنقاذ حياة المهاجرين القادمين من ليبيا عبر البحر والذين احتضنتهم منظمتا أطباء بلا حدود و «أس أو أس ميديتيراني» على متن باخرة «أكواريوس» التي تجوب البحر المتوسط منذ سنين لإنقاذ المهاجرين المهددين بالموت في البحر و إيصالهم إلى مواني إيطاليا.
لكن مع تشكيل الحكومة الشعبوية الجديدة في روما ، قرر وزير داخلية إيطاليا تطبيق وعوده الانتخابية بغلق المواني الإيطالية أمام زوارق الموت وكل البواخرالتي تنقذهم . بررت روما موقفها بعدم تحمل الدول الأوروبية الأعضاء في الإتحاد قسطها من إيواء اللاجئين كما هو مبرمج في اتفاق دبلين.
و أمام رفض الدول الشرقية وتخاذل فرنسا و الدول الاسكندينافية في قبولهم حصصهم من اللاجئين أخذ وزير الداخلية قراره لنسف النظام الأوروبي الذي يعتقد أنه وراء الأزمة الخانقة التي تعيشها إيطاليا باستقبالها بمفردها 700 ألف لاجئ قادمين من جنوب المتوسط.
سياسة النفاق الإيطالية
القرار الإيطالي بعدم قبول باخرة «الأكواريوس» صاحبه قرار ثان، بالمشاركة في مصاحبة الباخرة الإنسانية في طريقها إلى إسبانيا. في نفس السياق قرر المركز الإيطالي لتنسيق الإغاثة في البحر ، الذي ينسق العمليات مع متطوعي الجمعيات الأوروبية، تكليف باخرتين الأولى تابعة للبحرية الإيطالية والثانية لفرق حماية المحيط بتخفيف الضغط على الأكواريوس» ونقل عدد من اللاجئين نحو اسبانيا. 524 لاجئ التحقوا بباخرة «داتيلو» و 250 بباخرة «أوريونه». ولم يبق إلا 106 من اللاجئين على متن «الأكواريوس».
من ناحية أخرى، قبلت إيطاليا استقبال باخرة عسكرية يوم الأربعاء أنقذت 900 لاجئ في سواحل ليبيا. وصرح ماتيو سالفيني أن إيطاليا سوف تفتح أبوابها للبواخر العسكرية ، على عكس قراره في خصوص البواخر الأخرى. لذلك اعتبر المحللون أن سالفيني عمد إلى تفجير أزمة سياسية لإرغام أوروبا على تغيير سياساتها غير المتكافئة في مسألة الهجرة. وهو في نفس الوقت يتخذ إجراءات صارمة للتحضير لطرد اللاجئين الموجودين على الأراضي الإيطالية بإغلاق مراكز اللجوء الحالية و فتح مراكز اعتقال موزعة على كل الجهات لتسهيل الترحيل نحو ليبيا أين تريد روما فتح معتقلات جديدة في الغرض.
خلافات وانقسامات
أبرزت أزمة «الأكواريوس» الإنقسامات الحادة التي تشق الإتحاد الأوروبي في شأن مسألة الهجرة واللجوء. ففي المشكلة الحالية اصطفت إيطاليا مع مالطا في حين نددت باريس بالموقف الإيطالي. أما البلدان الشرقية فقد رحبت بقرار سالفيني. و شهدت الساحة السياسية الأوروبية تغييرا واضحا في الموقف الألماني حيث اجتمع وزراء إيطاليا و النمسا و ألمانيا لتقديم مقترح للقمة الأوروبية القادمة المبرمجة ليوم 28 جوان من أجل اتخاذ إجراءات جديدة تحد من تدفق اللاجئين نحو أوروبا. صعود الأحزاب المتطرفة و اليمينية المتشددة و الشعبوية إلى سدة الحكم في عديد البلدان الأوروبية أدخل خللا في التوازنات الموروثة على اتفاق دبلن الذي أسس للسياسة الأوروبية الموحدة في مسالة الهجرة. بلدان جنوب أوروبا هي التي تدير موجات اللاجئين. لكن الحكومات الأخرى ترفض تحمل المسؤولية المشتركة خوفا من غضب الناخبين.
وتفاقمت الأزمة عام 2015 بتقبل برلين لأكثر من مليون مهاجر بالرغم من معارضة الدول الشرقية لذلك. اليوم بعض السيناريوهات بصدد الإنجاز في العواصم الأوروبية تتراوح بين تكثيف مراقبة الحدود الخارجية وإبطال التعامل باتفاقية شنغان للتنقل الحر وإعادة تركيز حدود داخلية. لكن يبدو أن الدول الأعضاء ليست جاهزة لتحمل «وفاق» يخرجها من الانقسام الحالي.