إيطاليا تدخل في أزمة سياسية عميقة بعد فشل رئيس الحكومة المكلف جيوزبي كونتي

فوجئ الرأي العام الإيطالي بفشل جيوزبي كونتي رئيس الحكومة المكلف من قبل الرئيس

سرجيو ماتاريلا بعدم توصل حركة 5 نجوم و رابطة الشمال إلى الاتفاق حول برنامج حكومي يحظى بأغلبية في البرلمان. التخلي عن رئاسة الحكومة جاء بعد رفض الرئيس الإيطالي تعيين باولو صافونا على رأس وزارة الاقتصاد و المالية بسبب تعلقه بمشروع إخراج إيطاليا من اليورو مستعملا حقه الذي يضمنه البند 92 من الدستوري. أمام تعنت ماتيو سلفيني زعيم رابطة الشمال المتمسك بصافونا لم يبق للرئيس ماتاريلا إلا تعيين شخصية مستقلة، في شخص كارلو كوتاريلا لتشكيل حكومة انتقالية في انتظار انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.

و بالرغم من الحملة العشواء ضده على أعمدة الصحافة و في شبكات التواصل الإجتماعي و نداءات بعزله من على رئاسة الدولة، تمسك الرئيس ماتاريلا بموقفه دون أن يغلق باب الحوار مع أحزاب الأغلبية. هذه الخطوة الرئاسية تعتبر نادرة من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية حيث يخفق تحالف برلماني، فائز في الانتخابات التشريعية و يتمتع بأغلبية في الغرفتين من تشكيل حكومة. و لو أن ظاهرة استعمال حق الفيتو في وجه الوزراء ليست بالجديدة فإنه في عديد المناسبات تمكن رئيس الوزراء المعين من استبدال الشخصية المرفوضة بشخصية أخرى. وهو ما حصل، على سبيل المثال، لسيلفيو برلسكوني عند توليه رئاسة الحكومة عام 1994.

«المقص» و المناورات السياسية المكثفة
«المقص»، هكذا يلقب الوزير الأول المكلف كارلو كوتاريلا الذي شغل منصب المسؤول على توازن الخزينة في حكومة «ليتا» و المسؤول السامي السابق في صندوق النقد الدولي. وهو مشهور بنزعته التقشفية و حرصه على احترام موازنات الدولة. و رحبت الأوساط الأوروبية في بروكسل بتعيينه.كذلك الحكومتين الفرنسية و الألمانية التي كانت تخشى الإجراءات «التحررية» للحكومة الشعبوية التي كانت على أبواب السلطة.

في نفس الوقت الذي بدأ فيه كوتاريلا مشاوراته لتشكيل حكومة تشمل وجوها معروفة من موظفي الدولة و القطاع الخاص الذين يشهد لهم الرأي العام بنجاحاتهم و حرصهم على الشأن العام، دخلت أحزاب الائتلاف في مزايدات و مناورات لتجنب تشكيل الحكومة. و كانت حركة 5 نجوم في طليعة المناورين حيث تراجع زعيمها لويدجي دي مايو على المطالبة بعزل رئيس الدولة و تمسك بتشكيل الحكومة مع رابطة الشمال. فتقدم بمقترح تكليف ماتيو يلفيني لرئاسة الحكومة أو الرجل الثاني في الرابطة جيان كارلو جيورجيتي، في محاولة يائسة لتغيير الأوضاع لصالحهم.

لكن ماتيو سلفيني، الذي كان وراء فشل التجربة، لم يقبل بالاقتراح و تمسك بتعيين كارلو كوتاريلا لأسباب سياسوية. يريد سلفيني من وراء ذلك استلطاف الرأي العام و الظهور في موقع الضحية و ابراز فكرة أن قرار رئيس الدولة مخالف للقواعد الديمقراطية التي تقضي باحترام سلطة الشعب المعبر عنها عن طريق صناديق الاقتراع. وهو يعي تماما أن موقفه الصلب ضد قرار ماتاريلا قابله الرأي العام بالمساندة في استطلاعات الرأي التي أعطت حزبه تقدما في نوايا التصويت في الانتخابات القادمة.

مخاوف اقتصادية حادة
ولا تزال الشخصيات السياسية الإيطالية تتحرك للتوصل لحل يقي البلاد من هزات تؤثر على انتعاش الإقتصاد الذي أخذ يتعافى. و قد سجلت بورصة ميلانو تقهقرا ملحوظا في الأيام القليلة الماضية وكذلك نسبة التهرب المالي التي وصلت إلى 270 مليون يورو تم تحويلها من البنوك الإيطالية نحو ألمانيا، قبل أن تسترجع بعض الحيوية. وهو ما أربك الأسواق الأوروبية وجعل البنوك العالمية ترفع في نسبة الفائدة المتعلقة بالقروض الإيطالية. مما هدد سوق المال و سوق المبادلات العقارية و نسبة التضخم.

بالرغم من ترحيب بروكسل و الأسواق العالمية بخطوة تعيين كارلو كوتاريلا، صرح رئيس البرلمان الأوروبي الإيطالي أنطونيو تاجاني، ردا على المفوض الأوروبي غونتر أوتينغر، أن الإيطاليين هم «الوحيدون الذين يقررون في مصير البلاد» مضيفا أنه لا يمكن الخروج من اليورو ومن الإتحاد الأوروبي. ويبقى الجدل قائما بالرغم من اعلان رئيس الوزراء المكلف بإمكانية «تشكيل حكومة سياسية» إشارة إلى الجهود التي يقوم بها لويدجي دي مايو من أجل إقناع ماتيو سلفيني بالتراجع عن قراره عدم المشاركة في الحكومة و الذهاب إلى الانتخابات في خريف 2018 كما وعد به رئيس الحكومة الجديد. لكن هذا الأخير لن يتمتع بصلاحياته الكاملة في صورة فشل في الحصول على أغلبية في البرلمان. إذ تشير الأنباء إلى إمكانية حصوله على 120 صوتا وهي غير كافية لتثبيته كرئيس حكومة. في هذه الصورة يبقى كوتاريلا في منصبه لتصريف الأعمال دون التمتع بأي صلاحية أخرى.وهو ما تخشاه أوروبا في حالة انزلاق الاقتصاد الإيطالي تحت ضربات الأسواق العالمية التي لن تتأخر في المضاربة على اقتصاد هش بدون ربان سفينة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115