الخميس 29 مارس أن الرئيس الفرنسي عبر عن «مساندته للقوى الديمقراطية السورية» و وعد بإرسال قوات إلى شمال سوريا لحماية منطقة المنبج. لكن قصر الإيليزي نفى، ردا على تلك التصريحات، إرسال قوات فرنسية إضافية. هذا وقد اقترح ماكرون، إثر لقائه بالوفد السوري، وساطة فرنسية بين الأكراد و تركيا قصد التوصل إلى حل سياسي شمال سوريا. لكن الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية أعلن الجمعة 30 مارس رفض بلاده لأي وساطة مع الأكراد مكررا اعتبار أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية تنظيما إرهابيا تابعا لحزب العمل الكردستاني.
ذكر البيان الرسمي للرئاسة الفرنسية أن الرئيس «أكد للقوى الديمقراطية السورية مساندة فرنسا، خاصة فيما يتعلق بالاستقرار الأمني لمنطقة شمال شرق سوريا، في إطار حوكمة شاملة و متوازنة ، من أجل الوقاية من أي رجوع لتنظيم داعش في انتظار حل سياسي للنزاع السوري». وهو ما تم فهمه من قبل البعثة السورية المتناصفة و المتكونة من أكراد و عرب ومسيحيين سوريين من العسكريين و السياسيين المدنيين المنضوين تحت تنظيم القوى الديمقراطية السورية المدعوم من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
مساعي دبلوماسية
الخطوة الفرنسية جاءت بعد المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس ماكرون مع الرئيس أردوغان يوم 23 مارس و التي أكد فيها حرص فرنسا على أمن و سلامة تركيا كما عبر، حسب البيان الرسمي لقصر الإيليزي، عن «قلق فرنسا منذ اندلاع التدخل العسكري التركي في منطقة عفرين (...) وعن ضرورة إعطاء الأولوية لمقاومة تنظيم داعش الذي تعتبره فرنسا
رهانا بالنسبة لأمنها القومي». و طالب ماكرون الرئيس التركي ب «وقف إطلاق النار في كامل التراب السوري و العمل على إيجاد حل سياسي دائم».
موقف الرئيس ماكرون اعتبرته وسائل الإعلام الفرنسية تحولا في الموقف الرسمي الفرنسي الذي لم يحرك ساكنا ضد التدخل العسكري التركي شمال سوريا. وتعتقد بعض الأوساط الإعلامية أن الرئيس ماكرون قد تشاور مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مكالمة هاتفية يوم 27 مارس في الشأن السوري قصد تجنب إي صدام مع تركيا بعد مسألة تدخلها العسكري شمال سوريا. وكانت أنقرة قد أعلنت نيتها الزحف نحو مدينة المنبج التي يسكنها عرب تحت الإدارة الكردية. رد أنقرة بالرفض على المساعي الفرنسية يعيد المسألة إلى المربع الأول.
منافسة ميدانية
التدخل العسكري التركي شمال سوريا ، بموافقة روسية، أربك دول التحالف الدولي و الحلف الأطلسي الداعمة للقوى الكردية التي تشكل العنصر العسكري الأساسي في مقاومة تنظيم داعش و التي ساهمت بقسط كبير في سقوط مدينة الرقة وضواحي دير الزور. من ناحية أخرى سجلت قوات التحالف بشيء من القلق مشاركة مليشيات عربية متطرفة و مجموعات من الجهاديين من جبهة النصرة الى جانب القوات التركية في احتلال مدينة عفرين. التنافس داخل التراب السوري بين الأطراف الأجنبية أصبح يشكل خطرا على القضاء النهائي على تنظيم داعش الذي تعتبره دول التحالف الدولي الركيزة الأساسية للتوصل لحل سياسي شامل. لكن الواقعية السياسية على الميدان تبدو أقوى من التحركات الدبلوماسية.
مع تأكيد نجاحات الجيش السوري النظامي في استرجاع نفوذه في منطقة الغوطة الشرقية و تقدمه السريع نحو دير الزور، يأخذ التدخل العسكري التركي وزنا جديدا في إطار تنازع الأطراف الأجنبية على التراب السوري قصد تحقيق نقاط ضغط في إطار مفاوضات الحل السياسي القادمة. و تخشى فرنسا أن يقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على
المغامرة بالزحف على منطقة المنبج أين تتواجد قوات أمريكية و فرنسية. لأن إصرار تركيا على اعتبار أكراد سوريا ، وهم حلفاء الدول الغربية، تنظيما إرهابيا لا يخدم التحالف الدولي الذي يحتاج إلى السيطرة الميدانية على جزء من التراب السوري لفرض أجندته على الجانب الروسي في إطار المفاوضات السياسية. رفض أنقرة التفاوض مع أكراد سوريا و إعلان باريس اعتبارها لتضحياتهم و مساندتها للقوى الديمقراطية السورية يدخل النزاع في مستوى غير مسبوق يهدد أسس الحلف الأطلسي الذي تنتمي إليه تركيا.