المفاوضات حوله أكثر من سنة. وتنظم هذه الانتخابات يوم 4 مارس المقبل. المشهد السياسي الإيطالي سجل من جديد رجوع الوزير الأول الأسبق سيلفيو برلوسكوني في سن 81 عاما، و ابتعاد الكوميدي بيبي غريلو عن حزبه «حركة 5 نجوم». في نفس الوقت انقسم الحزب الديمقراطي بزعامة ماتيو رينزي الوزير الأول السابق بعد أن خرجت منه جل الوجوه اليسارية وإن نظم بعضهم حزبا جديدا تحت اسم «أحرار ومتساوون» و تقدمت أحزاب اليمين المتطرف مع تحول الرأي العام في ظل موجات الهجرة غير الشرعية القادمة من ليبيا و تونس عبر زوارق الموت.
رجوع برلسكوني على رأس «فورسا إيطاليا»، الذي يبقى رهينة إدانة قضائية بتهمة الفساد تمنعه من الترشح، تزامن مع تحالفه مع حزبين من اليمين المتطرف هما حزب «رابطة الشمال» ذات التوجه العنصري و حزب «أشقاء إيطاليا» الذي يضم وجوها من الفاشية الجديدة. برلسكوني ينتظر قرار المحكمة العليا الأوروبية في طعنه ليتمكن من المشاركة الفعلية في الانتخابات. وربما تزعمه لتكتل وسط اليمين الإيطالي يمثل خطوة للضغط على المحكمة حتى تعجل في تبرئته.
ترحيل 600 ألف مهاجر
كما قام بذلك في السابق، يراهن برلسكوني للفوز بأصوات الناخبين على الوعود الشعبوية التي عرضها و كسب بها في السابق ود الفقراء و الطبقة الوسطى. هذه المرة، مع تغيير الأوضاع و استقطاب الرأي العام حول المسائل المتعلقة بالأمن و محاربة الإرهاب و مقاومة الهجرة عبر المتوسط، قدم برلسكوني وعودا جديدة تمثلت في تخفيضات جبائية هامة و رفع جرايات المتقاعدين و حذف الأداءات على المسكن و السيارة الخاصة و الميراث. وهي وعود مغرية بالنسبة للطبقة الوسطى.
من ناحية أخرى عبر برلسكوني في حديث صحفي أنه «لم يعد هنالك أمن في إيطاليا. تسجل جنحة كل عشرين ثانية وعملية سرقة كل أربع دقائق و سرقة بنك يوما بعد يوم. هذا بسبب جرائم 476000 مهاجر التي تضاف إلى العمليات الإجرامية التي يقوم بها مجرمو إيطاليا». واقترح في هذا الصدد أن تقوم حكومته بطرد 600 ألف مهاجر غير شرعي في المائة يوم الأولى من عملها. و يتفق برلسكوني مع شركائه من اليمين المتطرف في المطالبة بإعادة تغيير المعاهدات الأوروبية بحيث تعطى صلوحيات أكبر للدول الأعضاء على حساب المفوضية الأوروبية و البيروقراطية غير المنتخبة في بروكسل. كان برلسكوني قد نجح في الانتخابات التشريعية بعد أن أمضى على رسالة للجمهور الإيطالي تتضمن 100 وعد، مباشرة في برنامج تلفزيوني و نجح عبرها بفوز انتخابي. و ها هو يعيد الكرة أملا في نجاح آخر.
تفتت اليسار
تتقدم تنظيمات اليسار التي تحكم إيطاليا في صفوف متفرقة بعد أن هجرت أعداد كبيرة من الزعماء اليساريين الحزب الديمقراطي بزعامة ماتيو رينزي الذي يريد، على غرار ما قام به إيمانويل ماكرون في فرنسا، التفتح على كفاءات من المجتمع المدني و من الشخصيات المحبوبة جهويا و محليا. من ذلك أن شرك في قائمات الحزب وجوها من اليمين المسيحي و اليمين التقليدي إلى حد أن الملاحظين أصبحوا يعتقدون أن الحزب الديمقراطي لم يعد له لون يساري بالمرة.
المنفصلون عن الحزب الديمقراطي لم يتمكنوا ، إلى حد الآن، من فرض أجندتهم على الحملة الإنتخابية. و تبقى حركة 5 نجوم في طليعة الأحزاب بعد تقدمها في الانتخابات المحلية الماضية المرادفة لسقوط نجم الديمقراطيين. آخر استطلاعات الرأي يظهر تقدم حزب 5 نجوم بنسبـــة 29 % قبل الحزب الديمقراطي (22 %) وحزب فورسا إيطاليا (17 %). لكن إذا قمنا بجمع نوايا التصويت حسب التكتلات الانتخابية ، تأتي مجموعة اليمين و الوسط بزعامة برلسكوني في الصدارة بنسبة 37 % بتقدم 8 نقاط على حركة 5 نجوم. وهو ما يفتت المشهد إلى ثلاثة تكتلات و يصعب التنبؤ اليوم بالقول إلى أي اتجاه سوف ترجح الكفة. لكن نفس سبر الآراء يقر بشعبية الأفكار اليمينية المطروحة وحرص الناخبين على إعطاء الأولوية لمحاربة الهجرة غير الشرعية وتحسين القدرة الشرائية للإيطاليين.