من الصعب استيعاب حجم الأزمة ما لم تشاهدها بعينيك. مخيمات اللاجئين متداعية بشكل لا يوصف، فهي عبارة عن مساكن مصنوعة من الطين والصفائح البلاستيكية تشدها أعواد الخيزران، موزعة هنا وهناك فوق التلال الصغيرة.
إذا ما وقفت عند المدخل الرئيسي لمخيم كوتوبالونغ والذي كان يؤوي عدة آلاف من الروهينغيا قبل هذه الموجة الكبيرة الأخيرة، فقد يبدو لك الوضع منظماً بعض الشيء. أما إذا توجهت داخلاً إلى عمق المخيم وإلى الغابات والأماكن التي لا طرق فيها، فتلك حكاية أخرى. لا تتوفر في المخيم أية خدمات تقريباً ويعيش الناس في ظروف بائسة وهشة للغاية. عائلات بأكملها تعيش تحت صفائح بلاستيكية فوق أرض طينية موحلة معرضة لخطر الفيضانات، لا يملكون سوى القليل من المتاع، معرَّضون لخطر هجوم الفيلة، ولا يتوفر لهم الماء النظيف أو الطعام أو المراحيض أو الرعاية الصحية.غاية ما يطمح إليه هؤلاء اللاجئون في الوقت الحالي هو البقاء على قيد الحياة، ويمكنك قراءة ذلك بشكل واضح من خلال لغة أجسادهم، وقد أصبحوا لاجئين للتو. يعيشون كل يوم بيومه ويحاولون تأمين الأساسيات التي لا بد منها للعيش. الاستجابة الإنسانية حالياً مشتتة وغير منظمة: ففي موقع ما يتم توزيع الصفائح البلاستيكية، وفي موقع آخر توزَّع أكياس الأرزّ أو الماء.
في كوتوبالونغ تدير أطباء بلا حدود مرفقاً طبياً منذ عام 2009، وقد رفعنا قدرتنا الاستيعابية لاستقبال المرضى الداخليين. تعالج فرقنا هناك حالات ينبغي ألا تحصل في الظروف الاعتيادية، كانهيار أو موت أشخاص بالغين بسبب الجفاف الناجم عن مرض بسيط كالإسهال المائي. وقد فتحنا مشاريع جديدة منها طبية ومنها لتأمين المياه والصرف الصحي في مناطق أخرى من كوكس بازار، وذلك بهدف تعزيز استجابتنا للتعامل مع النمو المطَّرد من الاحتياجات الطبية. مع ذلك هناك حاجة ملحة للمزيد من الفعل، فالمخيم أشبه ما يكون بقنبلة صحة عامة موقوتة.
دعونا لا ننسى أيضاً السبب الأساسي وراء نزوح الروهينغيا، ألا وهو الأزمة القائمة في ميانمار. فالناس لا يهجرون بيوتهم دون سبب قاهر، وقد غادروا لأن حياتهم في خطر وليس أمامهم خيار آخر. ومازال هنالك مئات الآلاف منهم عالقين في ميانمار يواجهون الرعب ومعزولين عن أي مساعدات إنسانية.
إنّ استقبال بنغلاديش لنصف مليون شخص في غضون شهرين هو عمل جليل وفعل سخي جداً، لكنه أمر تكتنفه تحديات كبيرة، ولا يمكن لأي بلد في العالم تلبية احتياجات هائلة كهذه وحده. ندعو حكومة بنغلاديش إلى إبقاء حدودها مفتوحة وندعو المجتمع الدولي إلى دعم هذه اللفتة الشجاعة.
من واجب المانحين أن يمنعوا وقوع كارثة على مستوى الصحة العامة. ويمكننا القيام بذلك فقط من خلال ضمان تأمين الاحتياجات الحيوية لأناس تعرضوا للعنف والاغتصاب والتعذيب. نحتاج إلى المزيد من المنظمات على الأرض لبناء المراحيض وإنشاء مضخات المياه وتقديم الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية. ويمكن تحقيق ذلك فقط في حال سهَّلت حكومة بنغلاديش وجود المساعدات وسمحت بعمل عدد كبير لا بد منه من المنظمات الإنسانية.
ينبغي أن يشكل مؤتمر جمع التبرعات صوتاً لتنبيهنا وإيقاظنا، وهو فرصتنا لحشد الجهود ودرء وقوع كارثة ثانية واستعادة كرامة مجتمع في أمس الحاجة للمساعدة».
أطباء بلا حدود في كوكس بازار
تعمل أطباء بلا حدود في بنغلاديش منذ عام 1985 لكن الأزمة في كوكس بازار أجبرتنا على أن نزيد من قدرتنا، فمنذ بداية الأزمة قدمنا الرعاية الطبية لأكثر من 30 الف شخص وهو رقم يساوي خمسة أضعاف الذين تم علاجهم في مرافق أطباء بلا حدود في نفس الفترة من العام السابق. ففي شهر جويلية كانت أطباء بلا حدود تعالج يومياً نحو 200 مريض، أما اليوم فتعالج المنظمة أكثر من الفي مريض كل يوم في مشاريعها المختلفة.
وقد بدأت أطباء بلا حدود أيضاً إنشاء نقاط صحية إضافية مؤقتة (بالوكالي، ماينرغونا) وعيادات جوالة لتلبية احتياجات الواصلين الجدد. وإضافة إلى استجابتها الطبية تقوم أطباء بلا حدود بتحسين توفر المياه والصرف الصحي في المخيمات غير الرسمية سعياً منها للحد من انتشار المرض في تلك المخيمات.