مغادرة عدد لا يستهان به من مقاتليه سواء بداعي الهرب من بؤر التوتّر أو بداعي تنفيذ سياسة التنظيم المتعلّقة بسعيه لتشكيل خلايا نائمة يترأسها مقاتلوه العائدون الى دولهم الأصلية .
وأشار تقرير غربي صادر عن منسّق الاتحاد الاوروبي لقضايا الإرهاب جيل دو كيرشوف أنه من إجمالي المقاتلين الأجانب الأوروبيين، مقتل مابين 15 إلى 20 % ، وعودة 30 إلى 35 % إلى بلدانهم الأصليّة فيما لايزال قرابة 40 % منهم في سوريا والعراق . وألقت الهجمات الإرهابية التي اهتزّت على إثرها اوروبا مؤخرا، الضوء على المرحلة الجديدة التي تعيشها القارة الأوروبية ، ومدى نجاعة إستراتيجيات وسياسات دولها في محاربة إرهاب الجماعات المتطرّفة التي نجحت في الولوج لا فقط إلى أراضيها بل أيضا استطاعت بثّ إيديولوجيتها المسمومة في عقول مواطنيها. حيث تؤكّد تقارير متطابقة تنامي أعداد الغربيين -بمختلف جنسيّاتهم- المقاتلين إلى جانب تنظيمات متطرفة في بؤر الصراع (العراق وسوريا) ، في وقت طُرحت في الآونة الأخيرة المخاطر المُنجرّة عن عودتهم إلى أوطانهم لتنفيذ مخطّطات إرهابيّة هناك .
يشار الى انّ الاعداد التي تقدّرها التقارير الدولية حول عدد مقاتلي هذا التنظيم الارهابي تبقى دائما نسبية لصعوبة معرفة الاعداد الحقيقية ، إذ تقدّرها تقارير دوليّة مختلفة بـ 30 الف الى 60 الف مقاتل من جنسيات أجنبيّة وعربيّة ، وهو ماتعتبره الدول الكبرى حاجزا كبيرا يُعيق وضع استراتيجيّة ناجعة لمواجهة خطرهم . ويُشكّل الأوروبيّون الموجودون في ساحات القتال مابين 2000 و2500 مقاتل من جنسيّات مختلفة تشكّل مُعضلتهم أرقا دائما للدول الاوربية لما يمثلونه من تهديد أمني وسياسي واقتصادي للقارة الأوروبيّة بصفة عامّة . مع العلم انّ المقاتلين الأجانب يتوزّعون على النّحو التالي الاتحاد السوفيتي السّابق (8,717)، الشرق الأوسط (7,054)، أوروبا الغربية (5,718)، دول المغرب العربي (5,319)، جنوب وجنوب شرق آسيا (1,568)، البلقان (845)، أمريكا الشمالية (439) وذلك وفق تقرير أعدّه معهد «تي أس سي» للدراسات الأمنيّة.
ولعلّ تضارب الأرقام حول بنية التنظيم وقدراته تزيد من الأسئلة المطروحة حول مدى جاهزيّة الدّول المعنيّة لسيناريوهات العودة وإستراتيجية التعامل معهم علما وانّ سياسات أوروبا الحاليّة في مواجهة الخطر الارهابي تشهد انتقادات واسعة نظرا لتكرّر الهجمات الإرهابيّة رغم الرقابة والإجراءات الامنية المشددة التي تم اتخاذها .
تشكيك في الاستراتيجيات
ويرى مراقبون ان الدول المعنية ستواجه صعوبة حقيقية في مواجهة الخطر القادم اليها من بؤر التوتر خاصة وان المقاتلين بعضهم توجه بمفرده ليعود برفقة عائلة زوجة واطفال ، وهو مايزيد من معضلة الدول وضرورة ارساء سياسة فعالة لمجابهة هذه التطورات التي سترافق عودة مواطنيها .
اذ أنّ الضربات الموجعة التي تلقتها أوروبا في الآونة الأخيرة ، دليل واضح على بداية حرب بينها وبين الإرهاب مرورا بـ «تنظيم القاعدة» وصولا إلى تنظيم «داعش» والخلايا النائمة التابعة لهما، فرغم أنّ الهجمات شهدت تنوعا في اساليب تنفيذها ، وعلى الرغم من الاستعدادات الأمنية الكبرى التي اتخذتها العواصم الغربية عامة وبلجيكا خاصة ضد هجمات «متوقعة»، فان مراقبين اعتبروا ذلك فشلا أوروبيا ذريعا في التصدي للإرهاب ومؤشرا على أنّ الاستهداف الإرهابي للقارة العجوز سيستمر ويتزايد في المستقبل خاصة مع عودة المقاتلين الى اراضيهم ، وهو مايفرض إعادة النظر في إستراتيجيتها الأمنية المقبلة. واعتبر متابعون للشأن الدولي أنّ تنظيم «داعش» الارهابي يسعى بعد خسارته للنفوذ في كل من العراق وسوريا إلى فتح جبهات قتال جديدة له في أماكن متفرقة على غرار ليبيا واليمن وصولا إلى تنفيذ هجمات متفرقة في بقية قارات مختلفة ، بما فيها القارة الأوروبية .