الدورة الثانية أكدت «الموجة الماكرونية» التي هزت أركان النظام التمثيلي الفرنسي و أعطت للرئيس الجديد أغلبية مريحة تمكنه من تطبيق برنامجه الانتخابي بدون عناء.
وهي في نفس الوقت كرست تقهقر التنظيمات الكلاسيكية مثل الحزب الإشتراكي الذي لم يحصل سوى على 29 مقعدا وهي نسبة تاريخية لم يسبق أن عرفها الحزب الذي رأى جل قياداته تخرج من السباق الإنتخابي. وجل نوابه الناجحين هم من «المنسجمين مع ماكرون».
وهو ما يطرح مسألة تواصل الحزب وفرضية انحلاله في غياب تمويلات عمومية متأتية من عدد من النواب في البرلمان.
حزب الجمهوريين اليميني هو الآخر سجل أضعف أرقام في تاريخ الجمهورية الخامسة، و لم يحصل إلا على 131 مقعدا. و بالرغم من كونه الكتلة المعارضة الأولى فإن أغلب رموزه لا تتفق في التوجهات العامة للحزب وهو ما يفتح الباب أمام انشقاقات أخرى تهدد وجوده في المدى المتوسط. النتائج الحالية،غير الكارثية، تمكنه من ربح الوقت للتوصل إلى معادلة جديدة بعد البحث عن زعيم يقود إعادة أعمار البيت المشترك.
نجاحات تاريخية
بالرغم من الهزيمة تمكنت الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبان من الحصول على 8 مقاعد في البرلمان منها مقعد لزعيمته التي نجحت في الحصول على ثقة ناخبي جهة الشمال. وهو في حد ذاته انجاز لما للنظام الإنتخابي من خصوصيات تساعد التحالفات.و نجحت الجبهة في الحصول على 8 مقاعد بدون التحالف مع تنظيمات أخرى. وهو ما يدل على تقدم الفكر الراديكالي اليميني في صفوف الناخبين الفرنسيين.
أما النجاح التاريخي فهو لجون لوك ميلونشن زعيم حركة «فرنسا الأبية» الذي نجح شخصيا في دائرة مرسيليا للدخول لقصر بوربون لآول مرة في مسيرته السياسية و حصول حزبه على 19 مقعدا مما يمكنه من تشكيل كتلة برلمانية تعطيه صلاحيات عديدة و تفتح له الباب أما التمتع بوقت إضافي في المداخلات و تواجد في مختلف الهيئات البرلمانية. وسوف يستغله ميلونشن في «مقاومته» لمشروع ماكرون الليبرالي. و نجح كذلك الحزب الشيوعي في الحصول على 10 مقاعد. بذلك يعطي البرلمان صورة متعددة تشارك فيها جل التنظيمات الهامة في البلاد.
أرقام قياسية
الجديد في هذه الإنتخابات هو أن البرلمان سجل هذه السنة عددا من الأرقام القياسية تتعلق بتشبيب البرلمان الذي لا يتعدى معدل الأعمار فيه 38 عاما وهو رقم قياسي. وجوه جديدة بأعداد كبيرة نجحت في قائمات الجمهورية إلى الأمام وكذلك بالنسبة لحزب الجمهوريين. وترجم ذلك بتجديد 75 % من البرلمان و نجاح 432 وجها جديدا (مقارنة بـ 234 عام 2012). وهو سيف ذو حدين لأن الشباب يدخل روحا و معرفة جديدة في البرلمان لكنه يفتقد الخبرة السياسية في التعامل مع تراتيب البيت وقوانينه . وهو تحد جديد للطبقة السياسية الفرنسية التي ترغب في تجديد الوجوه و الممارسات البرلمانية والسياسية عموما. رقم قياسي إضافي يتعلق بالمشاركة النسائية التي سجلت تواجد 223 نائبة في البرلمان (بنسبة 38 %) . و راجت أنباء على أن حزب الرئيس ماكرون يرغب في تمكين نائبة من رئاسة البرلمان في إطار التناصف بحكم أن رئاسة الحكومة أسندت إلى رجل. إدخال العنصر النسائي من أوساط اجتماعية وثقافية وعرقية مختلفة يعطي البرلمان لأول مرة في تاريخه صورة جديدة تقرب أكثر من قبل لواقع المجتمع الفرنسي و تقرب التمثيلية السياسية من الفئات الاجتماعية المختلفة.
لكن هذه الجوانب الإيجابية لا تخفي رقما قياسيا آخر، سلبيا هذه المرة، وهو نسبة عدم المشاركة في الإنتخابات التي وصلت إلى 4 ،57 % وهو رقم لم تشهد الإنتخابات من قبل. و إن قمنا بربط الأرقام المسجلة و نسبها مع نسبة المشاركة يكون الحاصل أن أقلية من جملة الناخبين منحت «أغلبية» برلمانية لحزب الرئيس ماكرون. هذا البعد تم تداوله من قبل جل المحللين والصحف الفرنسية الذين أكدوا على ضرورة تعديل القانون الانتخابي حتى يمكن من إرساء تمثيلية أفضل تشجع الناخبين على المشاركة في الانتخابات المقبلة. واعترف الناجحون من حزب الجمهورية إلى الأمام بهذا الوضع و اعتبروا أنه يشكل تحديا لهم و أنهم «مرغمون على النجاح».