فجر ذلك الإجراء أزمة مع الصحافة الفرنسية التي أعربت في رسالة مفتوحة إلى الرئيس الجديد عن «تخوفها من تنظيم الاتصال الرئاسي». و نشرت كل وسائل الإعلام الرسالة تحت عنوان «سيدي الرئيس، ليس من حق الإيليزي اختيار الصحفيين» أكدت فيها أنها تتفهم نية تنظيم عملية الإتصال خلال الرحلات الرئاسية عبر تكوين فرق متخصصة ( دفاع،دبلوماسية، اقتصاد، تربية،شؤون اجتماعية). لكنها اعتبرت أنه « ليس من مشمولات رئيس الجمهورية أو معاونيه تقرير تنظيم العمل الداخلي لمجالس التحرير، و اختيار طريقة طرحهم و نظرتهم. هذا الإختيار يرجع بالنظر لرؤساء التحرير وللصحفيين» بمختلف وضعياتهم.
وكان المسؤول عن الإعلام في قصر الإيليزي قد أعلم وسائل الإعلام أن الرئاسة قررت اختيار الصحفيين المختصين الذين يشاركون في رحلات الرئيس الرسمية حسب اختصاص الرحلة التي تتعلق بالشؤون السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية الخ. و اعتبر الصحفيون أن الإجراء «بدعة لم يمارسها من قبل الرؤساء السابقون باسم احترام حرية الصحافة». وأضافوا مخاطبين الرئيس :«في حين يخضع الإعلام لعدم الثقة المتزايد، اختيار الشخص الذي سوف يعلم عن تنقلاتكم يزيد من الخلط بين الإتصال والصحافة، و يسيء إلى الديمقراطية».
وقع الرسالة مجموعة من جمعيات الصحفيين في وكالة فرانس براس وإذاعات «أوروب1» و«فرانس أنفو»، و «فرانس أنتار» و «أر أف إي» و «أر أم سي»، وتلفزيونات «بي أف أم تي في» و «أم6» و «تي أف1» و الصحف الباريسية «ليبيراسيون»و«لوموند» و «لوفيغارو» و «لوباريزيان» و«لوبس» و «لوبوان» و»تيليراما» وميديابارت». ووقع الرسالة كل من جون فيليب باطاي رئيس تحرير إذاعة «أر تي أل» و كريستوف دولوار أمين عام منظمة مراسلون بلا حدود و غيوم دي بوا مدير «لكسبراس» و يوهان هوفناغل مدير منشورات «ليبراسيون» ولوران جوفران مدير «ليبراسيون» ولوك برونر مدير تحرير «لوموند» وفريديريك باراير مدير تحرير إذاعة «فرانس مولتور» وجون مارك فور مدير تحرير «فرانس أنتر» و إيريك كرفالاك مدير تحرير «فرانس أنفو» وإدوي بلانال مدير «ميديابارت». وهم أهم المسؤولين على رأس وسائل الإعلام الباريسية الخاصة و العمومية.
اتهام مباشر للرئيس ماكرون
إجماع الصحفيين و المسؤولين في وسائل الإعلام المختلفة حول الدفاع عن حرية الصحافة في بلد مثل فرنسا أين الإعلام يشكل السلطة الرابعة كان بمثابة الإنتفاضة ضد السلطة الجديدة وتحرك جماعي لفرض علاقة شفافة مع قصر الإيليزي فيها نوع من التحدي ومن «عدم الثقة» تجاه القادمين الجدد الذين يريدون تغيير التوازنات الموروثة. لآن الصحافة الفرنسية اعتادت منذ عقود مساءلة السياسيين والمسؤولين بكامل الحرية و بجرأة فائقة وأصبحت تدير مناظراتهم الانتخابية وتقرر اختيار من تستضيفه ومن تعتم عليه. وهي سلطة في حد ذاتها اكتسبتها الصحافة الفرنسية عبر نضال و ممارسات ساهمت فيها السلطات العمومية. الرسالة الموجهة للرئيس مكرون تشكك في نواياه تجاه الصحافة خاصة و أنه أعلن في حلقة من برنامج «انفاويي سبيسيال» مخصصة لحملته الانتخابية أن «الصحافة في أغلب الأحيان تسيء التعامل» معه.
و ردت الحكومة على الرسالة مبررة قرار إعادة تنظيم الإتصال والعلاقة مع وسائل الإعلام من أجل الجدوى. وأنه لا يعني ذلك التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الوسائل. وقال كريستوف كاستانار ، الناطق الرسمي باسم الحكومة، للصحفيين :»وجود 50 صحفيا و 10 كاميرات يسيء إلى الحوار المباشر الذي يريد الرئيس ممارسته مع الفرنسيين. بطبيعة الحال هذا لا يعني التحكم أو الإلزام. أريد أن أعبر لكم باسم الرئيس و الوزير الأول أننا ملتزمون باحترام ظروف عملكم». هذه الأزمة جاءت يوما بعد أن قررت «فرانس تليفزيون» إقالة المقدم الأول للنشرة الرئيسية للأخبار دافيد بوجاداس بدون تعليل مما أغضب الصحفيين و هددوا بالإضراب المباشر في صورة لم تقدم لهم رئيسة المؤسسة العمومية كاترين إرنوت حججها لهذا الإجراء الذي فهمه البعض بأنه أول إجراء الهدف منه إرضاء القصر في حين وجب على المسؤول الأول في المرفق العمومي العمل على ضمان استقلاليته من تدخلات السلطة. ولم تهدأ بعد الأوضاع داخل «فرانس تليفزيون» التي شهدت تقلبات كثيرة منذ أن تم اختيار رئيستها الحالية التي تريد «تشبيب» المؤسسة وإقحام وجوه جديدة في التقديم.
تحرك الصحفيين في بداية ولاية رئيس الجمهورية هي سابقة في حد ذاتها. وهي تعبر عن خشية الصحفيين من الخطاب الذي حمله إيمانويل مكرون خلال حملته الانتخابية و الداعي إلى تغيير «النظام» و ذلك يشمل بطبيعة الحال العلاقة بين السلطة الحاكمة و السلطة الرابعة التي أصبح لها، مع تعدد وسائلها و تطورها، موقع في موازين القوى المؤثرة على الرأي العام و بالدرجة الأولى خلال الحملات الانتخابية.