وتم اواخر شهر ديسمبر 2016 توقيع اتفاق لوقف اطلاق النار بين الحكومة السورية والمعارضة المسلّحة حول وقف لإطلاق النّار على مجمل الأراضي السورية، في حين جاء في وثيقة ثانية اقرار مفاوضات سلام ستعقد في العاصمة الكازاخستانية «آستانة» إحدى عواصم دول الكومنولث ».
ويرى مراقبون انّ الغياب الامريكي الواضح عن المفاوضات رغم اعلان وزير الخارجية جون كيري عن دعم بلاده لها، يبقى نقطة فارقة في تاريخ المعادلة السورية مع العلم انّ الولايات المتحدة الامريكية الى جانب منظمة الامم المتحدة كانت الراعي الاساس لمفاوضات السلام السورية التي لطالما انعقدت في مدينة جينيف السويسرية كونها المقر الأوروبي للأمم المتحدة .
ويهدف اجتماع «أستانة»، التي ستكون الوجهة الجديدة لاحتضان مفاوضات السّلام حول سوريا الى حشد موافقة الأطراف المعنيّة لإرساء وقف شامل لإطلاق النار، يستثني تنظيمي «داعش» و«جبهة فتح الشام» أو «جبهة النصرة سابقا» ، بالإضافة الى اقرار حل سياسي للأزمة السورية برعاية روسية تركية بعيدا عن الحلول ذات الطابع العسكري .
تغير الاطراف الراعية للمفاوضات ودخول تركيا كعنصر رئيسي مشارك يأتي نتيجة التّقارب الأخير بين موسكو وأنقرة بعد خسارة الاخيرة لفرص انضمامها الى الاتحاد الاوروبي وتقديمها لتنازلات لتكون من خلالها طرفا رئيسيا في هذه المحادثات.
تراكمات ادت الى «استانة»
وفي هذا السياق قال الكاتب والمحلل السياسي السوري د. محمد العمري لـ«المغرب» ان الحديث عن مؤتمر الأستانة يستوجب التذكير بانجاز الجيش السوري في حسم معركة حلب ، والتوصل الى تسوية اخراج المسلحين منها بتوافق روسي تركي بعد محاولات وتجاذبات داخل أروقة الاجتماعات السياسية والعسكرية لدول روسيا وتركيا وإيران.
وتابع الكاتب السوري «ان قدرة موسكو على تحقيق استدارة ولو جزئية في الموقف التركي وتطويقها بجملة مغريات اقتصادية تكون بديلا عن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، والخشية من بدء ارتداد الإرهاب إليها بعد فشل مشروعها بنشر الأخوان المسلمين في المنطقة ، وانحسار النفوذ الأمريكي وخروج مصر من العباءة السعودية، ووصول المجموعات المسلحة لأفق مسدود ، كل ذلك هيأ -وفق تعبيره - الأجواء للحديث عن اتفاق وقف شامل للعمليات القتالية تمهيدا لانعقاد مؤتمر لدفع العملية السياسة.
وفي ما يتعلق بفرص نجاح مؤتمر «آستانة» اجاب محدّثنا «هذا يتعلق بالدرجة الأولى بمعيار الإرادة الدولية والإقليمية لحل الأزمة السورية وليس تأجيلها عبر أطالة عمرها أو تعداد الاستحقاقات والاجتماعات من جنيف وفيينا وأستانة وغيرها، فهذا يشتّت الجهود ويكثر من المرجعيات ويعمّق في عمر الأزمة، بل لابد من إن تظهر هذه الإرادة في توسيع مشاركة المعارضات وعدم حصرها بوفد مثلما حصل في جنيف 3، تنفيذ القرارات الدولية بمكافحة اﻹرهاب وتجفيف منابعه وإغلاق الحدود لتكون بداية ناجحة ﻷي عملية سياسية تتضمن إطار حل تبدأ مفاعيله من دمشق عبر حوار داخلي بعيدا عن أي تدخل أو أملاءات خارجية، بما يفضي الى تشكيل حكومة وطنية تقوم بإعداد دستور جديد وتشرف على انتخابات برلمانية تعبر عن تطلعات السوريين وتمثيلهم الحقيقي على اﻷرض».
وعن إرادة الدّول الدّاعمة للمجموعات المُسلّحة للذهاب باتّجاه حلّ سياسي، قال الكاتب السوري «انّ الأهداف مازالت غامضة ويلتبسها الكثير من الغموض ولاسيما بعد إعلان وزير الخارجية التّركي بأنّ هناك جهودا خلف الستار من قبل بعض الدول الإقليمية لإفشال اتّفاق وقف إطلاق النّار» على حدّ قوله .
وأشار المحلل السياسي السوري الى أنّ «إعلان المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتّحدة عن عدم مشاركة المبعوث الدولي في الأستانة ، يعدّ مؤشرا آخر على وجود الضبابية على هذه الإرادة، ناهيك عن توقيت إعلان واشنطن لمد السلاح لما تسميهم المعارضة المعتدلة وتحريك جزء من مكون الكردي ﻹعلان الفيدرالية جميعها حقيقة الأمر تشير الى مدى مراوغة هذه الدّول ورغبتها في إطالة الحرب على سوريا، أما الجانب الآخر فإنّ هذه المجموعات في النهاية لا تملك قرارها وترجمته في المشهد الميداني أو السياسي وارتباط بعضها بعلاقة عضوية مع النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية، سيحدّ من قدرتها في اختيار الحل السياسي، كما إن أعلان بعضها تجميد المشاركة في المفاوضات غرضه رفع سقف المطالب والتمثيل في المباحثات القادمة، ولكن في النهاية ان امتلاك الجانب التركي للواقع السياسي الجغرافي يجعلها أداة ضغط على المسلحين والدول الداعمة لها للذهاب إلى الأستانة في حال صدقت النوايا التركية».
تعدد الاهداف يهدد استانة
أما بالنسبة لأجندات الدول الغربية قال محدثنا «انها لم تتوقف يوما ابتداء من احتضان المجموعات المسلحة وتدريبها وإعطائها غطاء سياسيا» تحت مسمى المعارضة المسلحة ومن ثم المعتدلة، وصولا الى تسييس الملف الإنساني وتوظيفه كحصان طروادة لتبرير تدخلها في المشهد السوري مرورا بجنيف1 و2 و3 وغيرها، حيث إنّ معظم هذه الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة وتركيا وفرنسا تريد حلا«سياسيا»تحت ضغط الاشتباك يتناسب مع مصالحها وأجنداتها التقسيمية والهادفة لتغير مواقف سوريا الجيوسياسيّة وفق تعبيره.
وتابع محدّثنا ان التغيرات في موازين القوى التي حققها الجيش السوري واتساع رقعة المصالحات المحلية داخليا»، وثبات موقف حلفاء دمشق معها، ومشاركة الجانب الروسي في مكافحة الإرهاب ووصول إيران الى اتفاق حول ملفها النووي، وانتقال الإرهاب الى الحدود السياسية ، وغيرها من العوامل أوصلت هذه الأجندات الى حائط مسدود ومع ذلك مازالت هذه الدول تتاجر بالملف الإنساني وتسعى الى ملء الفراغ الذي يولده تقلص نفوذ أمريكا في المنطقة (خاصة من قبل فرنسا وألمانيا وبريطانيا ) وتدفعها الى الحصول على مقعد لها في التسوية المرتقبة أو في مشروع إعادة الإعمار، وهذا بطبيعة الحال وهم كبير بالنسبة الى هذه الدول.
وأكد العمري ان معركة حلب اسقطت مشاريع وقلبت معادلات الى ما هو أبعد من الجغرافيا السورية، وغيرت طبيعة التحالفات. مضيفا انه مع انتهاء عام 2016 كانت التغيرات تتبلور ملامحها في هذه المنطقة إنطلاقا» من المشهد السوري» مشيرا الى انّ مركزية الموقع السوري الجغرافي والسياسي لها تأثير على كافة المنطقة، وهذا ظهر سابقا«نتيجة صمود سوريا بتعرية الاخوان في مصر وتونس وإفشال مشروع التقسيم الطائفي،على عكس المشهد العراقي الذي مازال قيد التجاذبات والابتزاز الإقليمي والدولي» على حد قوله.
وأشار محدثنا الى انّ حلّ الملف السوري سيساهم كثيرا في حلحلة عقد الملفات الآخرى والعكس صحيح، لذلك فإن المنطقة تشهد مخاضا جديدا ملامحه ستظهر أكثر خلال العام الحالي، وهذا المسار الإقليمي سيؤثر حتما» بطبيعة النظام الدولي وتركيبته في طبيعة العلاقات به في ظل خشية الحكومات الأوروبية من ارتداد الإرهاب الى ساحاتها واقتراب اليمين المتطرف لديها للوصول الى الحكم متأثرا«بفوز ترامب والنقمة الشعبية على السياسات السابقة ، نظرا» لحيوية المنطقة وامتلاكها أهم الممرات الدولية ومصادر الطاقة، لذلك قلب العالم سيحدد معالم النظام الدولي الجديد.