لا يفصلها عن السماء سوى غطاء من القماش يهتز في مهب الريح.لجأت العائلة إلى إقليم كردستان العراق بعد أن اضطرت للفرار خوفاً على حياتها للمرة الثانية، ووصلت إلى هذا المكان القاحل الذي أصبح مخيماً للنازحين اسمه «ديبكة».
لقد ازداد عدد سكان المخيم من 5,000 إلى 38,000 شخص خلال أقل من ستة أشهر. وتسعى كل من الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية جاهدةً يومياً لتوفير المأوى والمياه الصالحة للشرب والمواد الغذائية وغيرها من الخدمات الأساسية لعائلات نزحت من أكثر المناطق فقراً في البلاد وتعيش الآن في المخيم مثل أسرة «غنيّة».كان لدينا أراضٍ زراعية في «صلاح الدين» تقول غنيّة. وتضيف: «لكن الجماعات المسلحة أرغمتنا على الفرار وهربنا إلى الحويجة منذ سنتين».
لم يذهب أولاد غنيّة إلى المدرسة منذ زمن. “أوقفت أولادي عن الذهاب إلى المدرسة كي لا يصابوا بأذى، بعد أن تعرضت بعض المدارس في المنطقة إلى الهجوم».تبعد الحويجة مسافة 210 كيلومترات إلى الشمال من بغداد، وهي واحدة من بلدات عدة حاولت القوات الحكومية العراقية مراراً استرجاعها من الجماعات المسلحة في تقدمها إلى الشمال باتجاه الموصل، ثاني أكبر مدن العراق. لقد نزح أكثر من 213,000 نسمة على طول هذا الطريق منذ شهر ماي 2016 – الأمر الذي دفع الكثير منهم إلى النزوح إلى مخيمات الشمال مثل مخيم «ديبكة».
تقول غنيّة: “غادرنا الحويجة بسبب الجوع والقصف، وانتهى بنا المطاف هنا».
لا يعيش كل نازحي ديبكة في العراء، على الرغم من اضطرار الكثير منهم الى ذلك. فقد تم إيواء العائلات التي وصلت أولاً الى المخيم في بيوت جاهزة، وتجري حالياً استعدادات لإسكان القادمين الجدد. وتقوم اليونيسف وشركاؤها بتزويد الوافدين الجدد بالمواد الغذائية ومستلزمات النظافة ومياه الشرب وغيرها من الضروريات اللازمة لتخفيف آثار هذه المحنة. كما قامت اليونيسف ببناء مراحيض وحمامات.
امرأة تحمل قالبا من الثلج.تصل الحرارة في مخيم ديبكة صيفًا إلى 50 درجة مئوية، ولكن السكان يستخدمون قوالب الثلج لأغراض التبريد.
هنا، في المدرسة التي لم يكتمل بناؤها، يتجمهر النازحون حول عمال إغاثة يوزعون قوالب الثلج. تخرج امرأة بحجاب أرجواني وهي تحتضن قالب ثلج بكلتا يديها، لتقول لي: “إنه للشرب”. ففي هذا المخيم المغبر حيث تصل الحرارة الى 50 درجة مئوية (120 درجة فهرنهايت)، يمكن لقليل من الثلج أن يغير الوضع بأكمله.
عاش عُمر (15 عاما) وعائلته سنتين كاملتين تحت الحكم القاسي للجماعات المسلحة في قريته الحاج علي. وعندما تقدم الجيش العراقي لاستعادة مدينة القيارة القريبة في اوت الماضي، اتهمت عائلته بالتعاطف مع الحكومة وطردوا من أرض أجدادهم.
يقول عُمر: “مشينا قرابة كيلومتر واحد إلى ضفاف نهر دجلة وانتظرنا هناك حتى انتهت المعركة. لا يمكننا العودة إلى ديارنا لأن القرية لا تزال في مرمى النيران”.يقضي عمر أيامه في أماكن صديقة للأطفال تدعمها اليونيسف، وهو يقرأ الكتب في فترة بعد الظهر. سألته أين تعلم الإنجليزية بهذه الطلاقة فأجاب وعيناه تلمعان: “كان في قريتنا مدرس لغة إنجليزية رائع أسمه يونس. كانت حصصه ممتعة لدرجة كنت أتمنى أن تدوم الحصة طوال اليوم». وبعد وقفة، يضيف: «أنا لا أعرف أين هو الآن».
انقطع عُمر عن الدراسة مرات عدة خلال السنوات الثلاث الماضية، مثل العديد من الأطفال العراقيين، لكنه يأمل ألا يمنعه هذا الأمر من تحقيق طموحه بأن يصبح مترجماً.ومن المقرر استكمال بناء مدرسة تدعمها «اليونيسف» في أكتوبر المقبل، مع بداية السنة الدراسية الجديدة. ستستوعب المدرسة 850 طفلًا في ثلاث ورديات يوميًا، إلا أنها لا تكفي لتعليم نحو 8,600 طفل في سن الدراسة يعيشون حالياً في المخيم.
خلال الأسابيع القليلة المقبلة، قد تسفر معركة الموصل عن نزوح أكثر من مليون شخص، يشكل الأطفال قرابة نصفهم. وقد ناشدت الأمم المتحدة المجتمع الدولي تقديم 284 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية للأسر المتضررة من العنف. وفي أماكن مثل مخيم ديبكة، من المتوقع أن تتزايد تلك الاحتياجات.
بقلم: فرح دخل الله المتحدثة باسم اليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا