ومازال المشهد السياسي في ليبيا متأرجحا بين مجلس رئاسي يعاني من الانقسام منذ دخوله العاصمة وتمركزه في قاعدة «أبو سته» ومجلس نواب معطل يعاني هو الآخر من الانقسام بين مؤيد للمجلس الرئاسي وشق معارض لا يعترف بحكومة الوفاق الوطني .
مرحلة جديدة
وعلى الرغم من حالة الانقسام الحالية والتي عكسها «كوبلر» خلال مشاركته الشهر الماضي في أعمال لجنة التسيير المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في بروكسل واعتباره ان العملية السياسية في ليبيا أصبحت تدور في دوائر مُفرغة لعدم وجود مؤسسات شرعية تحظى بالاجماع ، الا انه لا يمكن اغفال ان المجلس الرئاسي قد أعاد – بفضل الدعم الدولي- توجيه بوصلة المشهد السياسي في ليبيا باتجاه العاصمة طرابلس بعد ان تمركزت منذ الانتخابات البرلمانية في 2014 في الشرق الليبي : طبرق (مجلس النواب) والبيضاء (مقر الحكومة)، وقد يظهر ذلك التأثير في دخول كافة مكونات المشهد الليبي مرحلة سياسية جديدة اتسمت بالاتي :
- انقسام واضح داخل مؤيدي حراك فبراير 2011 مما قد يترتب عليه تحالفات ومصالحات جديدة بين الأطراف المتنازعة.
- احتمال حدوث انفراجة في حالة العداء بين الفريق حفتر ومصراتة، وأعرب العديد من قادة المجلس المحلي في مصراتة في اتصالاتهم مع القوى الدولية المهتمة بالشأن الليبى موافقة مبدئية على أن يصبح «حفتر» جزءاً من قيادة الجيش الليبى، وذلك ضمن مجلس عسكرى تحت رئاسة وزير الدفاع والمجلس الرئاسى ( وهو محور اللقاء –غير المعلن- فى عمان والذى جمع بين حفتر وجوناثان وينر المنسق الأمريكى لملف ليبيا)
- وجود تحركات سياسية في قالب مدني وتنمية شاملة بالمنطقة الجنوبية عبر بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومؤسسات المجتمع المدني فى الدول الغربية.
- مفاوضات بين مشايخ وأعيان وشخصيات مجتمعية في مناطق متفرقة من مؤيدي حراك فبراير أو كانوا في وقت سابق، من أجل التعاون مع منظومة النظام السابق في إعادة «سيف الإسلام القذافي» الى رئاسة ليبيا وتوحيد شمل الليبيين.
- تمسك معظم قبائل وأعيان «برقة» ومن تبقى بمجلس النواب بشروطهم الأولى وهي تعديل المجلس الرئاسي، وأن يكون مقره خارج العاصمة طرابلس مادامت المليشيات تتحكم فيها.
- أغلب مقترحات الحلول المقدمة من الأطراف الدولية بالملف الليبي قد تصب في مصلحة انتشار الفتنة وتعميق الخلافات بين الأطراف الليبية.
واستعراض السمات الرئيسية للمشهد السياسي الحالي، يقودنا إلى طرح أفكار حول خيارات المشهد فى ليبيا على المدى القصير، وذلك استناداً إلى التحديات المتزايدة التي أصبحت تواجه مخرجات اتفاق الصخيرات ، لاسيما وأن هناك تقديرات لمؤسسات أكاديمية قد رأت قبل توقيع الاتفاق أن التعجل في التوقيع، قد لا يصب في صالح الاستقرار المنشود لكامل التراب الليبي، وان توقيع اتفاق سياسي غير كامل يعمق من الصراع الموجود ولا يحسمه، بالنظر إلى استمرار تدهور الوضع الاقتصادي.
اية خيارات؟
إن التطورات الحالية في المشهدين السياسي والأمني تفتح المجال أمام الخيارات التالي ذكرها:
- نجاح حكومة الوفاق في تحرير سرت ، قد يضع معسكر الشرق في موقف معقد للغاية ، نظراً الى استمرار المعركة في بنغازى التي لم يحسمها حفتر بعد مرور ما يزيد عن عامين.
- غياب الخدمات الأساسية وعدم تحسن الظروف المعيشية للمواطن الليبي، قد يؤديان إلى تنامي سخط الشارع الليبي وترجيح كفة المراهنين على فشل المجلس الرئاسي بشكله الحالي وآليات صنع القرار فيه بعد مرور أكثر من 6 شهور على تشكيله النهائي، مما قد يعجل بإسقاطه أو رحيله أو تعديله بمبدإ رئيس ونائبين فقط.
- مضاعفة الضغوط الأوروبية على الدول المتدخلة في الشأن الليبي ، وذلك خوفاً من عواقب تفاقم الوضع والضرر المباشر عليها (تمدد التنظيمات المتطرفة- الهجرة غير الشرعية ).
- استقرار الامم المتحدة في طرابلس نهاية سبتمبر 2016 ومعها كتيبة حماية من نيبال ، قد يمهد لاستقرار بعثة الاتحاد الاوروبي وسفارات دول أخرى معنية بمتابعة الشأن الليبي ، مع نهاية شهر ديسمبر ما لم يطرأ جديد.
- فرار مقاتلي داعش من سرت إلى جنوب ليبيا ، قد يمثل خطرا لإمكانية انتقال تلك العناصر إلى دول الجوار الليبي والانضمام الى تنظيمات أخرى مثل «المرابطون» وغيرها.
يمكن القول أن حكومة الوفاق تواجه تحديات صعبة، وعدم نجاحها في تحرير سرت بالكامل وتحقيق مكاسب سياسية من وراء ذلك، قد ينذر باحتمال فشل العملية السياسية في ليبيا والعودة مجدداً إلى المواجهة بين معسكري طرابلس وطبرق ، أخذا في الاعتبار أن المجتمع الدولي يعطي أولوية متقدمة في الوقت الحالي لاستقرار الاوضاع في الهلال النفطي وضمان اتفاق المجلس الرئاسي وقائد حرس المنشآت النفطية على إعادة انتاج وتصدير النفط بما يسمح بضمان دعم اقتصادي لحكومة السراج يقلل من الغضب الشعبي.