وذلك بعد ان واجهت النكسة تلو الأخرى وصولا إلى استقالة وزيرة الداخلية والجلسة الصاخبة الأخيرة في البرلمان.
فور استقالتها، دعا زعيم المعارضة البريطانية العمالي كير ستارمر إلى إجراء انتخابات عامة “الآن».
وقالت تراس أمام مقر رئاسة الحكومة في لندن “في ظل الوضع الحالي لا يمكنني إتمام المهمة التي انتخبني حزب المحافظين للقيام بها».
وأضافت “لذلك تحدثت إلى جلالة الملك (تشارلز الثالث) لإبلاغه باستقالتي من رئاسة حزب المحافظين”، موضحة أن عملية اختيار النواب لخلف لها “ستستكمل خلال الأسبوع القادم».
وكانت تراس اعترفت بأنها واجهت “يوما صعبا” الأربعاء، لكنّها شددت على وجوب ان تركّز الحكومة جهودها على أولوياتها. وقال المتحدث باسمها إنها تريد من الحكومة التركيز بنسبة أكبر على “إنجاز الأولويات” و”بنسبة أقل على السياسة».
كما أعلنت تراس عن انها سوف تبقى في منصبها الى حين اختيار خليفة لها عبر انتخابات قيادة الحزب التي سوف تجرى خلال الاسبوع المقبل. ونقلت وكالة “ بي ايه ميديا” البريطانية عن تراس القول :”هذا الصباح التقيت برئيس لجنة 1922 سير جراهام برادي.
وأضافت” اتفقنا على إجراء انتخابات لقيادة الحزب خلال الاسبوع المقبل».
وأوضحت” هذا سوف يضمن أننا سوف نستمر في مسار تطبيق خطتنا النقدية والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والأمن القومي». وقالت” سوف أبقى كرئيسة للوزراء الى حين اختيار من سيخلفني».
أسباب الأزمة
وتعود الازمة الى الأسابيع الماضية إثر تقديم الحكومة أمام مجلس العموم، يوم 23 سبتمبر الماضي، لمشروع “الميزانية الصغيرة” الذي نصّ على خفض في الضرائب لصالح الأغنياء دون أي ضمان لدعم المالية العمومية. وبعد معارضة شرسة من داخل الحزب المحافظين ومن خارجه والتدني التاريخي لمستوى الجنيه الإسترليني، أجبرت الوزيرة الأولى ليز تراس على إقالة وزير المالية كوازي كوارتنغ وتعيين جيرمي هانت خلفا له يوم الجمعة 14 أكتوبر.
وكان بنك إنقلترا قد تدخل مرارا لمساندة سندات الدولة البريطانية لحمايتها من المضاربة. وطالب صندوق النقد الدولي، في خطوة غير عادية، بالتخلي عن مشروع التخفيض في الأداءات وزيادة نسبة المديونية العامة. وأمام «انتفاضة» الأسواق المالية أجبرت ليز تراس على التوصل على اتفاق لحماية سلطتها على رأس الحكومة. وذكرت قناة «سكاي نيوز» التلفزيونية وصحيفتا «الغارديان» و «الفايننشال تايمز» أن محادثات بين الحكومة والبنك المركزي جرت من أجل الرجوع إلى مشروع بوريس جونسون القاضي برفع بعض الضرائب. وهو ما عجل بطلب «استقالة» الوزير كوارتنغ وتعيين هانت مكانه. وقالت الوزيرة الأولى في حوار مع قناة «بي بي سي» أنها «تعتذر» على ما قامت به من «أخطاء» وأنها لا تزال متمسكة بمنصبها من أجل مجابهة الأزمة في البلاد وقيادة حزب المحافظين في انتخابات 2024.
تصفية تركة ليز تراس
هذا المشهد التلفزيوني، يوم الإثنين 17 أكتوبر، سوف يصبح أنموذجا في دراسة تاريخ الحكم في بريطانيا، فقد تم بث أعمال مجلس العموم بحضور الوزيرة الأولى أين قام وزير المالية الجديد جيرمي هانت بتفكيك مشروع ليز تراس المالي واستبداله بنقيضه في حين كانت الوزيرة الأولى جالسة في صمت عميق دون أي تدخل أمام المجلس. وشرع وزير المالية الجديد مباشرة في تقديم القرارات الجديدة للحكومة والتي نسفت جل الإجراءات المالية التي جاءت في «الميزانية الصغيرة»، ثلاثة أسابيع بعد الإعلان عنها.
وشغل جيرمي هانت منصب وزير للصحة في حكومتي دافيد كامرون وتيريزا ماي ولم ينجح مرتين في السباق على منصب وزير أول. هذه المرة، أعلن الوزير المعروف باعتداله عن التخلي عن خفض الضرائب وعن الرفع في الضرائب على فوائد الشركات من 19% إلى 25%. أعلن كذلك عن التراجع عن جزء من الميزانية الإضافية (100 مليار جنيه) المخصصة لمساعدة العائلات على تحمل ارتفاع أسعار الغاز والنفط. وقرر ألا تتجاوز هذه المرحلة ستة أشهر مقابل سنتين في المشروع السابق. وأعطى الوزير الخطوط العريضة للميزانية البديلة التي سوف يقدمها يوم 31 أكتوبر وهي تشمل تخفيضا في نفقات الدولة ورفعا للضرائب، خلافا لمشروع ليز تراس. وهو حدث في حد ذاته يعطي نظرة على استرجاع السلطة من قبل الحزب تحت ضغط الاسواق المالية.
من يقود البلاد في الحقيقة؟
يشار الى ان التركيبة الحالية للحكومة التي تشمل جيرمي هانت على رأس مالية الدولة لا تظهر حقيقة التوازنات داخل الحكومة وبين الحكومة والحزب الحاكم الذي يتمتع بأغلبية كبيرة في مجلس العموم. لكنه يبقى منقسما كما أظهر ذلك انتخاب ليز تراس في شهر سبتمبر. وواجهت هذه الأخيرة مصيرها أمام البرلمان كما جرت العادات الديمقراطية في بريطانيا، بمخاطبة البرلمان في حصة مساءلة أسبوعية.
ومن المفارقات السياسية، أنها وجدت نفسها أمام البرلمانيين تدافع على سياسات لم تسنها، بل سنها وزيرها للمالية رغم توجهاتها المعلنة خلال حملتها الانتخابية وتجسيدها في «الميزانية الصغيرة» التي تم التخلي عنها. وهو ما جعل الصحافة البريطانية تراهن على قدرتها المعلنة على الصمود.
فقدت زعيمة حزب المحافظين هذا الأسبوع قيادتها لسياسة الحكومة لصالح وزير المالية جيرمي هانت الذي أعلن أنه تقلد مسؤولية الوزارة لمحاولة استرجاع الثقة في عمل الحكومة. في نفس الوقت تحرك في الكواليس قدماء الحزب المحافظ ومعارضي ليز تراس لوضع صيغة جديدة بعد استقالة ليز تراس دون اللجوء إلى انتخابات سابقة لأوانها. وهي معادلة صعبة نظرا لطريقة انتخاب الوزيرة الأولى في شهر سبتمبر من قبل 120 ألف شخص فقط، كلهم أعضاء في الحزب دون استشارة باقي أفراد الشعب، من وقع على الحياة الديمقراطية في زمن الأزمات المتتالية.
يبقى المعطى الآخر المتعلق بالرأي العام الذي دخل في عمليات احتجاج بسبب غلاء المعيشة. واستأنفت النقابات اضراباتها المبرمجة التي علقتها بسبب وفاة الملكة إليزابيت الثانية ولم تعلن عن تعليقها مرة أخرى. بل إن كل النقابات برمجت احتجاجات متتالية وعبرت عن رفضها لسياسة ليز تراس. وهو ما ترجمته آخر عمليات سبر الآراء التي أظهرت أن الوزيرة الأولى لا تحظى بأكثر من 10% من المساندة من قبل البريطانيين وأن 20% فقط من ناخبي حزب المحافظين يساندونها. وأشار سبر مؤسسة «يو غوف» أن 55% من أعضاء الحزب الحاكم يعتقدون أنه عليها أن تستقيل في حين يترصد الحزب العمالي، الذي يحظى بأغلبية لدى الرأي العام ، مآل الأزمة الحكومية على أمل أن تفضي إلى انتخابات سابقة لأوانها.
زوبعة سياسية في بريطانيا: تراس تعلن عن استقالتها من رئاسة الحكومة
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 10:43 21/10/2022
- 783 عدد المشاهدات
بعد ستة أسابيع فقط من توليها لرئاسة الحكومة، أعلنت ليز تراس عن استقالتها وإجراء انتخابات في الأسبوع المقبل لاختيار خلف لها،