لواجهة الحكم من أثر على الرأي العام الأوروبي. وإن تأكدت قيادة الحكومة الإيطالية من قبل جورجيا ميلوني زعيمة حزب «الإخوة الإيطاليون» الا ان حظوظ حزب «ديمقراطيون في السويد»، الذي يترأسه جيمي أكيسون، للمشاركة في الحكومة القادمة تبقى ضئيلة.
اعتبر الملاحظون ان صعود هذين الحزبين بمثابة زلزال في قلب أوروبا لما له من تداعيات على سياسة الإتحاد الأوروبي الداخلية والخارجية، كما انه مرحلة في مسار الحركات اليمينية المتطرفة وريثة الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية والأحزاب القومية الكلاسيكية التي اندثرت هيكليا في أوروبا مع الحرب العالمية الثانية. كما يخفي آنيا صعود حركات أخرى في فرنسا وألمانيا والنمسا واليونان واسبانيا وفنلندا والنرويج و «مجموعة فيزغرد» التي تضم المجر، وبولونيا، وجمهورية التشيك، وسلوفاكيا.
مشاركات سابقة في الحكم
وتعتبر سنة 2022 مرحلة حاسمة في تغيير المشهد السياسي الأوروبي الذي تشقه حركات نابعة من الأحزاب الفاشية والنازية التي أخذت الحكم في ثلاثينات القرن الماضي في إيطاليا وألمانيا وأدت إلى الحرب العالمية الثانية. اليوم الناخب الإيطالي أعطى صوته لحزب تأسس على أنقاض حزب بنتو موسوليني ولا زال يحمل شارته على أعلام حزب “فراتيلي دي إيطاليا” ليقود الحكومة الجديدة في ائتلاف حكومي مع رابطة ماتيو سالفيني و”فورسا إيطاليا” لسيلفيو برلوسكوني. يتأتي وقع هذا الحدث من ثقل إيطاليا ثالث اقتصاد في الإتحاد الأوروبي وأحد مؤسسيه. لكن حركات أخرى متطرفة، منسوبة للفكر الفاشي أو النازي، تشارك اليوم في حكومة كيرياكوس ميتسوتاكيس باليونان بثلاثة وزراء، وفي الحكومة الجهوية بقشتالة وليون في اسبانيا حيث تحالف الحزب المحافظ مع حزب “فوكس” المتطرف.
وقد سبق لسيلفيو برلوسكوني أن توافق في إيطاليا عام 1994 مع حزب “الميثاق الوطني” (فاشية جديدة). وقد شارك حزب الحرية في النمسا في حكومة سيباستيان كورتز اليمينية عام 2017 قبل أن ينسحب منها إثر فضائح عديدة. ويواصل وزراء متطرفون العمل في الحكومة اليونانية منذ صيف 2021 بالرغم من التصريحات اللاسامية التي تنبع من بعض وجوه الحركة النازية الجديدة في اليونان التي تستهدف الشخصيات اليسارية.
المشاركات السابقة للحركات المتطرفة في بعض الحكومات واكبها صعود أحزاب يمنية وريثة للفاشية والنازية في الانتخابات التشريعية الأخيرة في ألمانيا وفرنسا حيث نجح حزب التجمع الوطني لمارين لوبان في دخول البرلمان الفرنسي بعدد 89 نائبا ليصبح ثاني حزب ممثل في البرلمان، ويدخل البرلمان الألماني حزب “البديل لألمانيا” وريث النازية بأكثر من 90 نائبا في خطوة تاريخية بعد الحرب العالمية الثانية. وتتسع رقعة الفكر المتطرف إلى بلدان “فيزغرد” ممثلة في المجر وبولونيا والتشيك وسلوفاكيا التي تديرها حكومات يمينية متطرفة أصبحا مشكلة عويصة أمام الحكومات الليبرالية في الإتحاد الأوروبي.
الفاشية والنازية في ثوب جديد
لنجاح الحركات اليمينية المتطرفة ثلاثة أبعاد تاريخية واجتماعية وسياسية. فكل تلك الحركات لها مخزون ثقافي (فاشي أو نازي أو محافظ) حكم البلدان الأوروبية قبل الحرب العالمية الثانية ولم ينمح من الذاكرة السياسية الأوروبية. وإن انسحبت الحركات والأحزاب المتطرفة من المشهد السياسي الأوروبي فإنها رجعت تدريجيا للتأثير على جزء من الرأي العام بدخول البلدان الأوروبية في سلسلة من الأزمات الاقتصادية مباشرة بعد أزمة البترول عام 1973 وانتهاء فترة النمو المتصاعد. واستغلت الحركات المتطرفة تكرر الأزمات الاقتصادية التي أثرت سلبا على الطبقات الاجتماعية الضعيفة مما ساعدها على التغلغل فيها وبث خطاب معارض للسياسات المتبعة من قبل الأحزاب التقليدية.
ونجحت الأحزاب المتطرفة في دخول الانتخابات بعد سقوط جدار برلين وفشل الإيديولوجيا بمختلف مصادرها في تقديم حلول للنظام الليبرالي مع هيمنة نظام العولمة. وشهدت المجتمعات الأوروبية التي اتبعت النظام الديمقراطي الليبرالي صعودا تدريجيا للحركات اليمينية المتطرفة، مع فشل الأحزاب التقليدية اليمينية المحافظة واليسارية، التي أصبحت، في عيون الناخبين، تمثل بديلا سياسيا للأحزاب التقليدية.
ولم يكن نجاح الفكر المتطرف ليستفحل بدون عملية «تحيين فكري» داخل ورثاء الفكر الفاشي الذين غيروا أسلوب تعاملهم وخطابهم ليركزوا لا على المسائل الحيوية الاقتصادية التي لا يقدرون على حلها، بل ليجعلوا من معاداة الأجنبي والمهاجر والمسلم حجرة الزاوية لخطاباتهم. في نفس الإتجاه دخل زعماء تلك الحركات في «عملية تجميل» للوجوه المتطرفة تمثلت في تكليف وجوه شابة ونساء مثل مارين لوبان في فرنسا وجورجيا ميلوني في إيطاليا لخوض معركة الحكم بتقديم وجوه تشبه عامة الناس وتتبع خطابا وسطيا وأسلوبا يقربهم من عامة الناس في عملية تطبيع شاركت فيها وسائل الإعلام لحشد الدعم لها لمدة عقود. وهي على سدة الحكم، من البديهي أن يصبغ ذلك مستقبل المشروع الأوروبي.
تداعيات قادمة على أوروبا والعالم الإسلامي
لا شك أن التحولات السياسية القادمة في إيطاليا والسويد والنمسا واليونان واسبانيا، وكذلك بعض البلدان الأوروبية الأخرى، تتمحور جميعها حول مغازلة الأحزاب اليمينية التقليدية للحركات المتطرفة. فمثل ما حصل في النمسا وفي اليونان، دخل الحزب الشعبي الإسباني في عملية تقارب مع حركة «فوكس» المتطرفة من أجل افتكاك الحكم من اليسار في الانتخابات القادمة. كذلك الشأن في بعض البلدان الإسكندنافية، وفي فرنسا حيث يعبر بعض المسؤولين الجمهوريين على موافقتهم الدخول في «تحالف انتخابي» مع حزب مارين لوبان والتحضير في هذا الإطار لانتخابات 2027.
هذا التوجه، مع رئاسة جورجيا ميلوني للحكومة الإيطالية، سوف يؤثر على التوازنات الداخلية للاتحاد الأوروبي. وهو ما أصبح واضحا بعد التحذيرات التي أطلقتها رئيسة المفوضية أورسيلا فان در لاين لإيطاليا في خصوص احترام دولة القانون وحقوق الإنسان. وردت جورجيا ميلوني على هذا التحذير مباشرة في لقائها في اسبانيا لزعيم حركة «فوكس» عندما أكدت أن تغييرات في سياسات الإتحاد الأوروبي سوف تكون محور سياساتها القادمة. وسوف تجد ميلوني حكومات المجر وبولونيا في صفها من أجل تغيير «القيم الأوروبية» التي تناضل ضدها الحركات المتطرفة والتي تتمحور حول مقاومة موجات الهجرة واللجوء ومعاداة الإسلام. ويأتي هذا التوجه بعد عملية «البريكست» التي كان وراءها حزب نايجل فرج المتطرف والذي أثر على الناخبين المحافظين الذين التحقوا بسياسة الطلاق من أوروبا.
وقد أعلنت جورجيا ميلوني عن عزمها فرض اغلاق بحري عسكري تام على بلدان شمال افريقيا التي تعتبرها مصدرا لإطلاق زوارق الهجرة نحو الأراضي الإيطالية. وإلا يعتقد أحد أن إيطاليا قادرا عسكريا على ذلك بدون سياسة أوروبية جماعية فإن السياسيين في العواصم الأوروبية استبقوا هذا التوجه بسن قوانين وتشريعات للتضييق على الهجرة ومقاومة «الانفصال الإسلامي» مثل ما حصل في فرنسا. ويعتبر جل الملاحظين في أوروبا أن الحكومات الليبرالية، التي تجد صعوبة اليوم في فرض قيمها على كل الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، لن تتمكن من منع الخوض في نقاش تلك المسائل العالقة والتوصل إلى حل وسط يعتبره مسبقا الجميع مجحفا في حق الأقليات المتواجدة في الفضاء الأوروبي.
الحركات النازية والفاشية في ثوب جديد وهي على أبواب الحكم في أوروبا
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 10:01 17/10/2022
- 822 عدد المشاهدات
شكلت الانتخابات التشريعية الأخيرة المنعقدة في شهر سبتمبر الماضي في السويد وفي إيطاليا منعرجا في المشهد السياسي الأوروبي لما لصعود الحركات المتطرفة