وكان حزب 5 نجوم قد أقدم في جويلية الماضي على سحب الثقة من ماريو دراغي ، رئيس الحكومة السابق، الذي ألقى المنديل بعد أن عمل على إخراج البلاد من أزمة خانقة تظافرت فيها جائحة كورونا وانقسامات الأحزاب الحاكمة لتفتح الطريق أمام رجوع اليمين إلى الحكم. وسوف ينتخب الإيطاليون 400 ممثل في البرلمان و200 عضو في مجلس الشيوخ.
وتتزعم جورجيا ميلوني، رئيسة حزب «فراتلي دي إيطاليا» (إخوة إيطاليون)، تحالفا انتخابيا يجمع حزبها بحزب الرابطة (المتطرف) بقيادة ماثيو سالفيني وحزب «فورسا إيطاليا» لسيلفيو برلوسكوني. وتمكنت جورجيا ميلوني، بصورة مفاجئة، من فرض نفسها على الساحة السياسية الإيطالية بعد أن حصل حزبها في انتخابات 2018 على 4،4% من الأصوات فقط، مستفيدة من عزوف الرأي العام الانتخابي عن الطبقة السياسية «التقليدية» وبحثه عن بديل يخرج البلاد من أزماتها المتتالية.
وتشير آخر عمليات سبر الآراء المختلفة، التي نظمت قبل الصمت الانتخابي، إلى إمكانية أن يحصل حزب «فراتلي دي إيطاليا» على نسبة تتراوح بين 23 % و 26 % من الأصوات مقابل 12 % - 14 % لحزب الرابطة و ما بين 7 % و9 % لفورسا إيطاليا. ومن المرشح أن يحصل هذا الثلاثي على ما بين 43 % و46 % من الأصوات. أما باقي المنافسين فهم منقسمون و يتصدر الحزب الديمقراطي بنسبة 24 % أمام 5 نجوم (13 % - 14 %).
ولم ينجح انريكو ليتا زعيم الديمقراطيين في توحيد صفوف اليسار ولم يقنع قوى الوسط بالدخول في ائتلاف انتخابي بسبب موقف حزب 5 نجوم الذي أطاح بحكومة ماريو دراغي. نتائج الانتخابات المرتقبة سوف تكون تاريخية بقل المقاييس وسوف تكون بمثابة زلزال سياسي في أوروبا مع إمكانية رجوع حزب وريث للحركة الفاشية لقيادة الحكومة الإيطالية. فحسب النظام الانتخابي الإيطالي المزدوج (ثلثين عبر الاقتراع النسبي وثلث على الاشخاص) يمكن أن تعطي نسبة 43 % من الصوات أغلبية بثلثي المقاعد للائتلاف الناجح.
من هي جورجيا ميلوني
جورجيا ميلوني (46 عاما)، الوجه الصاعد في الساحة السياسية الإيطالية، برزت في سنة 2012 بعد تأسيسها لحزب «فراتلي دي إيطاليا» الذي هو وريث الحركة الفاشية. وقد بدأت مشوارها السياسي في سن 15 بمشاركتها في حركة الشباب الفاشي التابع للحركة الاجتماعية الإيطالية قبل أن تلتحق بحزب الميثاق الوطني (حزب ما بعد الفاشية) الذي قاده جيانفرانكو فيني الرئيس الأسبق للبرلمان في عهد برلسكوني والذي مكنها من أن تصبح نائبة في البرلمان في سن 26. وأصبحت ميلوني أصغر وزيرة عمرا (31 سنة) في حكومة برلوسكوني قبل أن تقرر عدم الدخول في الائتلافات الحكومية الأخيرة.
وساعدها تكوينها الصحفي، بفضل نطقها لعديد اللغات، على بلورة خطاب سياسي يستهدف جميع الفئات الاجتماعية ويركز على «الوطن والعائلة والدين» وهي تيمات الحركة الفاشية التقليدية. لكنها، بفضل حنكتها وذكائها، نجحت في نزع «الصورة الفاشية» عنها بالتركيز على المواضيع الحساسة لدى الرأي العام الإيطالي (الأزمة، غلو المعيشة، البطالة، الأمن، الهجرة) وصدرت للرأي العام الانتخابي مواقف «معتدلة» متمسكة بالاتحاد الأوروبي وبعملة اليورو ونددت بصراحة بالتدخل الروسي في أوكرانيا، خلافا لحلفائها في الإئتلاف. لكنها لم تتخل عن مواقفها الراديكالية، التي تتوجه بها لداعميها في الحزب ومناصريها من الناخبين، المتعلقة بمقاومة الهجرة غير النظامية التي تعاني منها إيطاليا أكثر من باقي الدول الأوروبية، وبموقفها الصارم ضد القوى المالية الدولية واللوبيات بما فيها لوبي المثليين والبيروقراطية في بروكسل. بذلك أعطت انطباعا أنها امرأة حازمة بإمكانها «تغيير الأوضاع» في حين بقي منافسوها في الصورة التقليدية للسياسي الذي يدير الأزمة بدون تقديم وتطبيق حلول للخروج منها. وهو ما جعل الراي العام يجد فيها البديل للطبقة السياسية التقليدية خاصة أنها رفضت المشاركة في حكومة ماريو دراغي الذي أرادها حكومة «وفاق وطني» وأنها تخلت عن المبادئ الفاشية التقليدية لتبلور مواقف راديكالية ضد المواضيع التي تمس الرأي العام الإيطالي.
نحو تغييرات جذرية
المواقف التي عبرت عنها جورجيا ميلوني التي قادت الحملة الانتخابية في كل المناطق الإيطالية الحساسة تركز على «إرادة تغيير النظام السياسي». وقد وعدت بإدخال تعديلات دستورية في صورة تمكن الائتلاف من الحصول على أغلبية مريحة تمكنه من ذلك. وفي مقدمة «الإصلاحات» يأتي تغيير النظام السياسي للبلاد باعتماد انتخاب رئيس الدولة عبر الانتخاب المباشر. وقد أكدت على التخلي عن نظام الديمقراطية التمثيلية لفائدة ما تسميه «ديمقراطية الشعب». وهو توجه شعبوي يجعله فكريا قريبة من فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية والنظام البولوني الحالي.
وبالرغم من تعلقها بالبقاء في الإتحاد الأوروبي فهي تنشر حربا كلامية على «البيروقراطية في بروكسل» وتريد «اصلاح» المفوضية وإعطاء البلدان المشاركة أولوية في سن قوانينهم وتطبيق سياساتهم الوطنية. وهي معركة تخوضها منذ مدة القوى القومية في أوروبا. وأصبحت اليوم تشكل، مع صعود 89 نائبا من حزب التجمع الوطني الفرنسي للبرلمان، خطرا على المشروع الأوروبي. وهو ما يخيف باقي البلدان الأوروبية في صوة أصرت جورجيا ميلوني، إن تحقق سيناريو تعيينها كرئيسة حكومة، على التمسك بمشروعها الانتخابي.
ويشكل قبول ماريو دراغي، رئيس الحكومة المستقيل، بمشروع الإصلاحات الهيكلية مقابل الدعم المالي الأوروبي والذي شرع في تنفيذه منذ انتخابه على رأس الحكومة، عائقا أمام جورجيا ميلوني. فقد قررت بروكسل اسناد إيطاليا 68،9 مليار يورو كمساعدات ومنحتها 122،6 مليار يورو كقروض بفوائض منخفضة مقابل الإصلاحات الهيطلية. وهي ميزانية لا يمكن استعمالها بدون الالتزام بالوعود الموقعة. وقد هددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسيلا فان در لاين هذا الأسبوع باستخدام «الوسائل المتاحة» لديها في صورة لم تلتزم إيطاليا، كسابقاتها المجر وبولونيا، بمبدئ دولة القانون وبتطبيق إصلاحات النظام القضائي والحوكمة الإدارية للدولة.
وتبقى فرضية نجاح جورجيا ميلوني في الوصول إلى سدة الحكم رهينة تعيينها من قبل الرئيس متاريلا الذي، بعد استشارة كل الأحزاب، يمكنه تعيين شخص آخر. وفي صورة أصبحت رئيسة للحكومة لن تقدر على فسخ الاختلافات داخل الائتلاف الحكومي مع سالفيني وبرلسكوني اللذان لا يشاطرانها الرأي في كل الملفات المطروحة. وهو السيناريو المعهود في إيطاليا بسبب الانقسامات السياسية والإيديولوجية بين الأحزاب والتي في أغلب الأحيان تؤدي إلى أزمات سياسية تطيح بالاستقرار الحكومي.
الانتخابات التشريعية في إيطاليا: هل تصبح جورجيا ميلوني، من جذور فاشية،أول امرأة على رأس الحكومة؟
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 09:52 26/09/2022
- 653 عدد المشاهدات
أشارت كل عمليات سبر الآراء الأخيرة إلى إمكانية أن تسفر الانتخابات التشريعيةالسابقة لأوانها في إيطاليا عن صعود الأحزاب اليمينية إلى الحكم إثر اقتراع الأحد 25 سبتمبر.