الذي قدم استقالته في شهر جويلية الماضي بعد سلسلة من الفضائح على خلفية عدم احترام قانون الوقاية من فيروس كورونا وكذبه أمام مجلس العموم في خصوص حفلات نظمت في مقر الحكومة. بهذا تصبح ليز تروس ثالث امرأة على راس الحكومة بعد مارغريت تاتشر وتيريزا ماي.
ذكرت التقارير الصحفية البريطانية أن ليز تروس، 47 عاما، تنتمي إلى عائلة «يسارية» قبل أن تلتحق في الجامعة بحزب الليبراليين الديمقراطيين. وقد تركت الحزب لتلتحق بالمحافظين وقد دافعت عن البقاء في الإتحاد الأوروبي ثم التحقت ببوريس جونسون وسياسته المدافعة على الخروج من أوروبا. لذلك يعتبرها المحللون ذات «بوصلة مهزوزة» ويأتي هذا الانتخاب في ظروف تمر فيها بريطانيا بأعمق أزمة متعددة الجوانب منذ عقود مست بالطاقة الشرائية وبقدرة المواطنين على الصمود في في وقت دخل الاٌقتصاد في حالة ركود. وفي أول تصريح للوزيرة الأولى الجديدة بعد الإعلان عن النتائج صرحت أنها سوف تقدم «برنامجا طموحا لخفض الضرائب وإنعاش الاقتصاد».
تقاليد النظام البرلماني البريطاني
تعيين وزير أول جديد يخضع في بريطانيا العظمى إلى تقاليد خاصة تحترم دور واسبقية الأغلبية البرلمانية في تعيين من يخلف بوريس جونسون وبما أن حزب المحافظين يسيطر على البرلمان فان له الحق في انتخاب خلف للوزير الأول المستقيل. لذلك نظم سباق شارك فيه 12 مرشحا شاركوا في التصفيات أمام البرلمانيين المحافظين قبل أن يختار منخرطو الحزب أحد المرشحين الأخيرين. وحصلت ليز تروس على57% من الاصوات (81،326 صوت) مقابل 43% (60،399 صوت) لفائدة ريشي سوناك في عملية انتخابية نظمت بعد12 حوار تلفزي بين المرشحين الإثنين أمام 20،000 منخرط في الحزب من كافة جهات المملكة.
وقد تعالت أصوات، خاصة من الحزب العمالي المعارض، مطالبة بانتخابات سابقة لأوانها، لكن التقاليد الديمقراطية المشتركة للطبقة السياسية فرضت نفسها. في النهاية فقد قرر 141،725 ناشط سياسي فقط مصير الحكومة الجديدة. وهو ما يعطي الانطباع بأن ليز تروس سوف تترأس الحكومة وهي لا تتمتع بدعم كلي من قبل حزبها خاصة أن تتمتع في مجلس العموم بمساندة ثلث النواب المحافظين فقط.
بين الوعود الانتخابية واكراهات الواقع
وقدمت ليز تروس برنامجها الانتخابي الذي يحكمه توجه ليبرالي يذكرنا ببرنامج المرأة الحديدية مارغريت تاتشر. ويركز هذا التوجه أساسا على خفض الضرائب لفائدة الأغنياء في سياسة تعتبر أن النمو الاقتصادي والرفاه الجماعي يتأتى حتما من قدرة الأغنياء على صنع الثروات. ويركز على خفض عدد الموظفين في الوظيفة العمومية مع توجيه الدعم للمؤسسات الاقتصادية. آخر التقديرات التي قامت بها المؤسسات المالية تشير إلى أن اصحاب الدخل المرتفع سوف يحصلون على زيادة آلية ب 1،800 جنيه سنويا في حين يحصل منخفضو الدخل على نسبة 7 جنيه فقط.
وقد نجمت الأزمة الاقتصادية الحالية عن تبعات “البريكست” وجائحة كورونا والحرب على أوكرانيا سوف تشكل عائقا أمام السياسات الجديدة. وهو وضع يتطلب إجراءات فورية لدعم اقتصاد يعاني من نسبة تضخم وصلت 10،1%،نسبة لم تشهدها بريطانيا منذ 40 عاما. ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 13%في شهر أكتوبر حسب البنك المركزي وإلى 18% في ربيع 2023 حسب المحللين الماليين.
وارتفعت بسبب الأزمة الأوكرانية مصاريف الطاقة من الغاز والنفط بنسب خارقة للعادة. من ذلك أن الميزانية العائلية للطاقة ارتفعت من 1971 جنيه إلى 3549 جنيه باعتبار زيادة أكتوبر القادم. أمام هذا الوضع، وقبل تشكيل الحكومة، وعدت الوزيرة الأولى المنتخبة بتقديم دعم للعائلات المعوزة والإبقاء على ما قرره بوريس جونسونبمنح 400 ليرة في السنةللعائلات المعوزة في حين تكلف مصاريف الطاقة للعائلة الواحدة 10% من ميزانيتها السنوية. وسوف تكل هذه العملية ميزانية الدولة قرابة 100 مليار جنيه إسترليني.
وضع مجتمعي ساخن
يواجه ليز تروس وضع اجتماعي متأزم موروث على سياسات بوريس جونسون. فقد سجلت بريطانيا خلال موسم الصيف سلسلة من الإضرابات طالت قطاعات عريضة من المجتمع استهلها المحامون ثم قطاعات النقل والموانئمطالبين في الترفيع في الأجور. والتحقت بهم قطاعات الصحة والتعليم والموظفين الذين قرروا سلسلة من الإضرابات قبل نهاية عملية التفاوض. في هذا الملف وعدت تروس بالعمل على «القضاء على النقابات النشيطة» التي ترفع شعارات منافية لسياساتها الليبرالية.
وللأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية تشهد المدن البريطانية طوابير أمام مراكز الإعانة الغذائية. وأشارت الصحف البريطانية أن 9 ملايين من البريطانيين عاجزين على دفع فاتورة الطاقة التي ارتفعت بنسبة 187% خلال السنة حسب معهد الدراسات المالية. وسوف تجد ليز تروس نفسها أمام وضع يحتم عليها إطفاء الحريق قبل الشروع في تغييرات هيكلية من المتوقع أن تفاقم الأزمة وتدخل المجتمع في حالة من الغليان.
رهانات داخلية وخارجية
أول الرهانات الذي يواجه الوزيرة الأولى هو حالة حزب المحافظين المنقسم بعد فضائح بوريس جونسون. وجب عليها العمل داخليا على توحيد الحزب من أجل الحصول على مساندة عريضة في الحزب وفي البرلمان علما وأن كلاهما منقسم وأنها في وضع يحتم عليها التوصل إلى اتفاق مع معارضيها في الحزب وفي البرلمان. ولا يزال الحزب يتخبط في خلافات جسيمة حول البريكست والبرنامج والموقف من أوروبا. وسوف تجد نفسها مرغمة أولا على اقناع حزبها والنواب المحافظين قبل أن تخوض معاركها لسياسية أمام البلمان والرأي العام.
الملف السياسي الثاني الحارق يبقى النزعة الانفصاليةلإسكتلندا التي تعتزم، بالرغم من رفض بوريس جونسون، تنظيم استفتاء جديد حول الإستقلال. ولو أن ذلك سوف يكون على طاولة الحكومة في العام المقبل فإن له وقعا حاليا بسبب دخول حزب المحافظين في عملية ترميم داخلية – من المفروض أن تشمل الأسكتلنديين – لخوض الانتخابات التشريعية العامة المبرمجة لبداية عام 2025. زد على ذلك تململ الأيرلنديين بسبب اتفاق البريكست. في هذا الوضع الشائك ترث ليز تروس مناخا عاما يعطي حزب العماليين تقدما في عمليات سبر الآراء التي تعطي الانطباع بتحول في الرأي العام لفائدة اليسار تجسم في خسارة حزب المحافظين لعدد من المقاعد في انتخابات محلية وجزئيةفاز بها العماليون.
وإن كسبت بريطانيا العظمى احترام الأوروبيين في الأزمة الأوكرانية فإن ملف البريكست لا يزال مفتوحا بعد أن تراجع بوريس جونسون على الاتفاق الذي وقعه مع الإتحاد الأوروبي. وهو ملف حساس يحتم على الطبقة السياسية الحاكمة أخذه بعين الاعتبار لما له من وقع على العلاقات الدولية من جهة وعلى إمكانية أن يستفيد من ذلك حزب العمال المعارض الذي يطمح في انهاء حكم المحافظين لمدة 12 سنة بفضل إعادة ترتيب بيته الداخلي وكسب زعيمه كاير ستارمر خبرة متجددة، بالرغم من فقدانه لكاريزما طوني بلير.
أول الخطوات أمام ليز تروس هي تشكيل حكومة قوية تكون مدعومة من حزبها في مجلس العموم تمكنها من الصمود أمام المعارضة ومستجدات الوضع الدولي. في المقابل لا يمكن التكهن على قدرة ليز تروس على تحقيق توجهاتها النيو ليبرالية في ظرف دولي بدأت القوى الدولية الرأسمالية تفكر في تعديل هذا النظام الاقتصادي والسياسي وتطويعه للظروف الدولية المتأزمة والتي تستوجب إدارة الدولة للشأن العام أكثر من قبل.
ليز تروس على رأس الحكومة البريطانية: هل تنجح تروس في ما أخفق فيه جونسون؟
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 10:09 07/09/2022
- 680 عدد المشاهدات
انتخب المنخرطون في حزب المحافظين البريطانيين مؤخرا وبعد ماراطون من اللقاءات والنقاشات دام سبعة أسابيع، ليز تروس، وزيرة الخارجية، في منصب الوزيرة الأولى
خلفا لبوريس جونسون