من أجل انضمامها للاتحاد الأوروبي بعد مواقف مترددة ومتضاربة من «الرباعي» والذي عبر في مناسبات عدة عن عدم مشاطرة كييف لاستراتيجيتها العدائية لموسكو من أجل انهاءالحرب وفرض علاقات سلمية.
وكان الرئيس الأوكراني زيلسنكي قد عبر بوضوح عن عدم رضاه بالموقف الفرنسي بالخصوص الذي، بالرغم من الحالات الموثقة دوليا ضد روسيا والموصوفة بجرائم حرب وأصر على مواصلة الحوار مع فلاديمير بوتين وعدم كسر وسائل الاتصال الدبلوماسية مع موسكو من أجل الوصول إلى حل يرضي طرفي النزاع ويبقي على التعاون مع موسكو. وهو ما أدخل العلاقات مع كييف في حالة توتر فرضت على مسؤولي كييف النظر في توطيد العلاقات مع واشنطن التي لم تبخل في دعم أوكرانيا ماليا وعسكريا وسياسيا.
موقف «الرباعي الأوروبي» الرامي إلى «عدم إهانة موسكو» والإبقاء على سبل الحوار تجسم في تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي لم يبخل على مواصلة «الحوار» مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرغم من الحرب الدامية ضد أوكرانيا. وأدى هذا الموقف إلى رفض تلبية مطلب أوكرانيا الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي. وكان موقف الرئيس الفرنسي واضحا وعبر عنه في مناسبات عدة. لكن ماكرون، الذي يترأس الاتحاد الأوروبي، أعلن في كييف للرئيس الأوكراني أن «أوروبا تقف في جانبكم، وسوف تبقى هكذا حتى النصر الذي سوف يأخذ وجه عودة السلم في أوكرانيا حرة ومستقلة». كلمات «النصر» و»السلم» تدل على تغيير جذري في الموقف الأوروبي.
تناقض في المصالح
منذ اندلاع الحرب على أوكرانيا في فيفري 2022 عبرت المفوضية الأوروبية وعدد من العواصم عن مساندتها المطلقة لأوكرانيا وقدمت الدعم المالي والإنساني وزودت كييف بأسلحة دفاعية ثم بأسلحة هجومية في محاولة لكسر عمليات استيلاء الجيش الروسي على مزيد من الأراضي الأوكرانية. في نفس الوقت كانت فرنسا وألمانيا في طليعة البلدان الأوروبية التي حافظت على علاقات سياسية مع موسكو تجسمت في الزيارات والمكالمات الهاتفية مع فلاديمير بوتين لمحاولة إيقاف نزيف الحرب. هذا التناقض في المواقف بين البلدان الأوروبية، لو حسب على محاولة إيقاف الحرب، أصبح يهدد وحدة الإتحاد مع تنامي الدعم الأمريكي غير المسبوق لكييف.
فرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا تجمع بينها العلاقات النفطية مع موسكو التي تشكل حيزا لا يستهان به (بين 20% و60%) من حاجيات الرباعي للمحروقات المستخدمة في النسيج الاقتصادي. وهو ما جعل تلك البلدان ترفض في البداية قطع العلاقات مع روسية لتتطور تدريجيا، مع الضغوطات الداخلية والموقف الصلب للمفوضية، وتقبل بفرض مقاطعة كاملة للمحروقات الروسية مع العمل على إيجاد تعويضات لها. التزود بالنفط من روسيا تدخل في مصلحة ألمانيا بالخصوص التي عقدت مع موسكو اتفاقا لربطها مباشرة بأنبوب «نور ستريم 2» الذي كان من المفروض أن يبدأ تزويد ألمانيا بالنفط هذه السنة. باقي البلدان الأوروبية كانت لها علاقات مماثلة وبعضها، مثل بلدان البلطيق وبلغاريا، كانت تستورد من روسيا من 90 إلى 100% من حاجياتها. مع قطع روسيا تزويد هذه البلدان للضغط على الأوروبيين لم يبق أمام «الرباعي» إلى خيار «الانضمام» لباقي البلدان الأوروبية أو مشاهدة انحلال الإتحاد الأوروبي في حالة حرب.
شبح رجوع الهيمنة الأمريكية
توطيد العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا وفرنسا وإيطاليا كان يدخل في إستراتيجية ما بعد الإتحاد السوفييتي الرامية إلى إدماج جمهورية روسيا الإتحادية في النظام الأوروبي الجديد. لكن على المستوى العسكري والإستراتيجي لم تنجح تلك البلدان النافذة في أوروبا في فرض نظام أوروبي جديد، يكون لروسيا فيه موقع بسبب اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة الحلف الأطلسي التي عملت على نسف التقارب السياسي مع روسيا. واستخدمت واشنطن صداقاتها مع عدد من البلدان، من بينها بلدان شرق أوروبا التي التحقت بمنظمة الحلف الأطلسي لإفشال مشروع التقارب.
وعبر الرئيس الفرنسي ماكرون في عدة خطابات موجهة للحلفاء الأوروبيين عن رغبة فرنسا دعم فكرة تشكيل دفاع أوروبي مستقل والعمل على توحيد المواقف السياسية عبر تغيير الهياكل المشتركة. واعتبر أن «منظمة الناطو في حالة موت سريري». وبالرغم من تردد ألمانيا التي لا تريد تغيير نظم الدفاع العسكري فإن موقف ماكرون وجد أنصارا داخل الإتحاد. اندلاع الحرب ضد أوكرانيا أظهر أن الإتحاد الأوروبي لم يكن جاهزا للدفاع عن أوروبا وأن الحلف الأطلسي والولايات المتحدة تبقى في الوقت الحالي الدرع الحامي لمصالح البلدان الأوروبية أمام الغطرسة الروسية. رجوع شبح الحرب النووية التي تهدد بها موسكو أدخل الأوروبيين في منطق مختلف إذ ليس لهم ما يقدمونه في صورة حرب نووية باستثناء فرنسا القوة النووية الوحيدة في الإتحاد. موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن المدعوم من الكونغرس قضى عمليا على مشروع الدفاع الأوروبي المشترك. فبتقديم واشنطن حزمة من التمويلات لأوكرانيا وصلت إلى 40 مليار دولار ـخذت ريادة في إدارة النزاع مع موسكو وأصبح شبح الهيمنة على أوروبا حقيقة بعد أن قررت واشنطن الخروج من ساحات القتال في أفغانستان وسوريا والعراق لتركز عل منطقة المحيط الهادي في استراتيجية جديدة لمقاومة النفوذ الصيني.
موقف توافقي جديد
يبدو أن زيارة «الرباعي» تدخل في إطار مفاوضات متعددة الجوانب أخذت بعين الإعتبار مصالح الدول الأوروبية و»املاءات» واشنطن. فقد بات واضحا أن تغيير موقف فرنسا وألمانا وإيطاليا، وهي جميعا قاطرة أوروبا الاقتصادية والسياسية، هو نتاج مفاوضات سوف تحسم في اجتماع القمة الأوروبية يومي 23 و24 جوان حيث من المتوقع أن يقبل الإتحاد الأوروبي بمبدأ قبول طلب أوكرانيا الانضمام للاتحاد «فورا» وإن سوف يستغرق المسار عشر سنوات على الأقل، لكن ذلك يعطي كييف «غطاء» سياسيا جديدا يحميها من عملية احتلال شاملة.
في المقابل، عبر رئيس الحكومة الإيطالية ماريو دراغي في كييف خلال زيارته لمدينة أربين المدمرة لوزير التنمية الترابية الأوكرانية أولكسيتشارنيكوف أنّ «إعمارا شاملا» للبلاد سوف يحصل بدون التدقيق في العملية وفيمن سوف يشارك في ذلك. لكن الموقف السياسي المعلن يشير إلى التوصل إلى اتفاق مع واشنطن في ملف يقدر بمئات المليارات من اليورو. وهو مشروع تنموي ضخم يمكنه معادلة ما سوف يحصل عنه الأوروبيين من تزويدهم بالنفط الروسي. وقد قدمت واشنطن من قبل دعمها الآني في تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي لتعويض الخسائر الناجمة عن المقاطعة. ومن المنتظر أن تسفر زيارة الرئيس جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية إلى تغيير في الموقف السعودي من أجل رفع تزويد أوروبا بما ينقصها من محروقات لتتمكن من بلورة موقف موحد صلب ضد روسيا في أقرب الآجال. الموقف الأوروبي الموحد المرتقب يوم 24 جوان هو الخطوة الأولى في إعادة صياغة التوازنات الجديدة في أوروبا. يبقى إعطاء كلمة «الانتصار» في خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون محتوا موضوعيا بعيدا عن اللغة الدبلوماسية. هذا ما سوف توضحه الأيام القادمة من الموقف الأوروبي المتأرجح بين الحرب والسلم.
رباعي أوروبي لدعم انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي: ماكرون وشولتسودراغي ويوهانيس في محاولة توحيد الصفوف
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 13:50 20/06/2022
- 2083 عدد المشاهدات
بعد أربعة أشهر من الحرب على أوكرانيا قرر رؤساء رومانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا الاجتماع مع الرئيس الأوكراني فلوديميرزلينسكي في كييف لتقديم مساندة واضحة لأوكرانيا