وكان رئيس الدولة قد حدد قبل الانتخابات مهام رئاسة الحكومة في ثلاثة مواضيع أساسية: «التخطيط الإيكولوجي، العمل على تحسين الاوضاع الاجتماعية والإنتاجية». ثم أطلق تغريدة على شبكة تويتر إثر الإعلان عن تعيين السيدة بورن وضح فيها المهام الأساسية التي وضعها للحكومة الجديدة: «العمل الإيكولوجي، الصحة، التربية، التشغيل الشامل، احياء الديمقراطية، أوروبا والأمن».
كلمات تعطي الانطباع أن رئيسة الحكومة الجديدة سوف تكون «وزيرة أولى» فقط، أي ثاني شخصية في السلطة التنفيذية وأول وزيرة في الحكومة. القرارات الأساسية سوف تبقى في يد رئيس الدولة. هذا هو الهيكل الترتيبي الذي قبلت به إليزابيت بورن والتي سوف تعمل على تنفيذه. وهو نفس التوجه الذي لاقى تنديدا من قبل زعماء المعارضة الذين يخوضون الآن معركة الانتخابات التشريعية القادمة ويريدون التنكيل بالحكومة وتقليص قيمتها حتى يضمنوا مزيدا من الأصوات. لكن شخصية الوزيرة الأولى الفرنسية، وعطاءها على رأس ثلاث وزارات، تعطيها مصداقية لدى الرأي العام تمكنها من خوض الاستحقاق الانتخابي على رأس الأغلبية الحاكمة كثاني رهان بعد تشكيل الحكومة.
كفاءة وقوة شخصية
كل الشخصيات السياسية والنقابية التي تفاعلت مع السيدة إليزابيت بورن (61 عاما) أكدت على كفاءتها ومعرفتها الواسعة بملفاتها وقدرتها على التفاوض مع صلابة مواقفها وعزمها القوي على تنفيذ مشاريع الإصلاح التي، في الحقيقة، جعلت منها الوزيرة الوحيدة التي تمكنت من تحقيق إصلاحات هيكلية في قطاع النقل، وخاصة اصلاح نظام التقاعد لشركة سكك الحديد، وإرساء قانون جديد للتشغيل والمساهمة في تنظيم استشارة واسعة حول التحول الإيكولوجي.
وهي أول مهندسة متخرجة من أكبر الجامعات الفرنسية ترأس الحكومة منذ تأسيس الجمهورية. ولها خبرة إدارية واسعة اكتسبتها في خطة والية عملت لخدمة الصالح العام قبل توليها حقائب وزارية. كل هذه الركائز تعطي إليزابيت بورن قدرات على تنفيذ الإصلاحات مع تغيير أسلوب العمل الحكومي. وهو ما يفرض عليها التحكم في أداء الوزراء والتنسيق فيما بينهم من أجل تنفيذ القرارات التي من شأنها تغيير سبل التعامل السياسي والإداري مع ملفات ساخنة في وضع دولي متقلب مع استمرار جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا.
رهانات متقاسمة
تعيين شخصية قادمة من الحزب الاشتراكي، بعد شخصيتين من اليمين السياسي، عملت مع عدد من رموزه مثل جاك لانغ ومانويل فالس وسيغولان رويال، لكنها اندمجت في حزب «الجمهورية إلى الأمام»، يفرض على السيدة بورن رهانات تتقاسمها مع الرئيس إيمانويل ماكرون. ملفات التحول الإيكولوجي والمقدرة الشرائية وإصلاح المنظومة الصحية والتعليم ونظام التقاعد والنظام السياسي هي، في الحقيقة، رهانات أمام الحكومة والرئاسة والطبقة السياسية. وهي مشاريع اصلاح عميقة سوف تستغرق عشرات السنين حتى تعطي أكلها.
ربما الولاية الثانية التي تحرر الرئيس من الخوض في سباق انتخابي جديد تعطي دفعا لمشاريع إصلاحية بدون حسابات سياسية، تستدعي فقط عملا «تكنوقراطيا» يهتم بالتخطيط والتنفيذ. وهو ما يبدو التوجه الجديد الذي أراده ماكرون شريطة أن يحصل في شهر جوان على أغلبية برلمانية. يبقى أمام إليزابيت بورن تحديا شخصيا. إذ أبقت على ترشحها للانتخابات التشريعية لشهر جوان في دائرة في شمال فرنسا وهي مطالبة بالنجاح لدعم تعيينها بالحصول على سند شعبي يعطيها مشروعية أمام الرأي العام بعد حصولها على شرعية التعيين الرئاسي.
حكومة متناصفة وقليلة العدد
حسب أولى التسريبات، أصبح واضحا أن عددا من الوزراء الحاليين سوف يغادرون الحكومة بسبب تغيير أسلوب الحكم وكذلك حسب «تقييم أداء الوزراء» الذي قام به إيمانويل ماكرون. وجوه جديدة سوف تتولى حقائب وزارية قبل نتائج الانتخابات وقبل الحصول على أغلبية في البرلمان. ولو أن التقاليد في فرنسا تقول إن الناخب الفرنسي يعطي في أغلب الأحيان للرئيس المنتخب أغلبية تمكنه من تنفيذ سياساته التي وعد بها خلال حملته.
الشيء الأكيد أن الحكومة سوف تكون متناصفة كسابقاتها وأن الجانب التكنوقراطي المرتبط بالقدرة على تنفيذ الإصلاحات سوف يكون جزءا من قرارات تعيين الوزراء. تشكيل الحكومة، الذي هو من مشمولات الوزير الأول، سوف يخضع كما جرت العادة إلى الإرادة الرئاسية. وسوف يعطي صورة أوضح على قدرات الفريق الحكومي الجديد على تحقيق التوجهات والرهانات التي فرضها الرئيس ماكرون على الوزيرة الأولى الجديدة.
إليزابيت بورن ثاني رئيسة حكومة في تاريخ فرنسا: تحديات جسام في مرحلة متقلبة
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 13:39 18/05/2022
- 1788 عدد المشاهدات
وأخيرا أعلن قصر الإليزيه يوم الإثنين 16 ماي عن تعيين السيدة إليزابيت بورن رئيسة للحكومة الفرنسية بعدثلاثة أسابيع من إعادة انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون.