والاقتصاديين القريبين من الرئيس فلاديمير بوتين. وتصاعدت وتيرة العقوبات لتصل إلى فرض حظر أمريكي على الغاز والنفط الروسيين في انتظار إجراءات مماثلة من قبل البلدان الأوروبية. وهو ما جعل المختصين في الاقتصاد يتكهنون بإمكانية اندلاع حرب اقتصادية في غياب مواجهة عسكرية بين الجانبين.
يوحي المشهد المتأزم بين روسيا وباقي الدول الغربية بما فيها مجموعة البلدان المصنعة السبعة بأن عدم اندلاع حرب نووية مدمرة للجميع سيفتح الباب أمام نزاع اقتصادي مخفي يتمحور حول انتزاع الأراضي الأوكرانية من قبضة موسكو ودخول الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أوروبا في حرب اقتصادية من شأنها اضعاف القدرات الروسية ومنعها من السيطرة على الأراضي الأوكرانية التي كانت قبل استقلالها عام 1991 «مطمورة الاتحاد السوفييتي».
ثروات اوكرانية هائلة ومتعددة
شكلت أوكرانيا منذ ثلاثة عقود ممرا للغاز الطبيعي الروسي الذي مكن موسكو من تزويد أوروبا بما قدره 40% من استهلاكها من الغاز حسب الوكالة الدولية للطاقة. وتستورد البلدان الشرقية 100% من استهلاكها من روسيا في حين تصل نسبة الغاز الروسي 65% في ألمانيا و40% في إيطاليا و19% في فرنسا. وهو ما جعل صادرات روسيا من المحروقات ترتفع بصورة ملحوظة بعد انهيار الإتحاد السوفييتي عبر إرساء 13 أنبوب غاز بين الطرفين مما قلص من استقلالية أوروبا ورفع من حدة تبعية اقتصادها للإنتاج الروسي للمحروقات خاصة في ميادين الصناعة وإنتاج الكهرباء والتدفئة المنزلية. وصاحب ارتفاع صادرات موسكو تقلص في انتاج الغاز الأوروبي من قبل النرويج وبريطانيا العظمى بنسبة 47% في السنوات الماضية.
لئن ظل ملف الغاز الطبيعي حاسما في المعركة الدائرة بين الطرفين إلا أن أوكرانيا تتمتع بثروات أخرى لها وزن في العلاقات الدولية. من ذلك أن كييف تعتبر أول مصدر في العالم للزيوت النباتية وهي سادس منتج للحبوب ورابع مصدر للبطاطا. وهي أول منتج عالمي للمنتوج الزراعي المصنف «بيولوجي». وتتمتع موسكو وكييف بنسبة 29% من صادرات الحبوب نحو العالم. وهو ما يعطي لأوكرانيا، التي تتمتع بنسبة 225 من الأراضي السوداء في أوروبا (ضعف فرنسا) مركزا اقتصاديا وتجاريا ملحوظا على المستوى العالمي لما لذلك من تأثير على الغذاء في أوروبا وإفريقيا بالخصوص.
أما الأراضي الأوكرانية فهي غنية بمادة اليورانيوم والغرافيت والحديد والمنغنيز والطيتان المستخدم من قبل شركتي «ارباص» و»بوينغ» لصناعة الطائرات والصواريخ. تشكل موسكو وكييف 90% من الصادرات في العالم لتلك المادة الإستراتيجية في صناعة الأسلحة المتطورة والطائرات. امتلاك مثل هذه المواد هو في هذا المجال سلاح اقتصادي تتنازع من أجله الدول العظمى. وهو ما يفسر اللحمة بين البلدان الأوروبية والولايات المتحدة من أجل صد فلاديمير بوتين وارغامه عبر العقوبات الاقتصادية والمالية على التخلي عن مشروعه التوسعي الذي يجعل أوروبا في حالة تبعية اقتصادية لموسكو.وقد يصعب على الأوروبيين التوصل إلى «استقلالية» اقتصادية في مدة قصيرة. وذلك هو الملف الساخن الذي أصبح مطروحا اليوم على طاولة النقاش في بروكسل والذي يشكل مع الاستقلالية الإستراتيجية العسكرية أهم ملفين في السنوات القادمة.
حرب اقتصادية دولية
الإستراتيجية الأوروبية الأمريكية المتبعة اليوم من أجل اضعاف روسيا وخنقها ماليا تقابلها استراتيجية مضادة لموسكو سبق وأن بدأت في تطبيقها منذ مدة من أجل تنويع أماكن صادراتها من المحروقات والعمل على توجيه معاملاتها نحو الصين والبلدان الآسيوية. من ذلك أنها عملت منذ 2009 على بعث مشروع «ساخالين» في الشرق الأقصى الروسي لمد بلدان آسيا بالغاز الطبيعي. أما بالنسبة للصين فقد شرعت موسكو في ربطها بأنبوب غاز تحت اسم «قوة سيبيريا». ووقعت موسكو مع بيكين اتفاقا لبسط أنبوب غاز آخر يمكن من تزويد الصين بالغاز الروسي مدة 30 سنة. وتعول موسكو على هذا المشروع لتخفيف حدة العقوبات الغربية التي انطلقت عام 2014 إثر ضم القرم وتواصلت مع اجتياح أوكرانيا.
وأصبح من الواضح اليوم أن الثنائي الروسي الصيني يعمل اليد في اليد من أجل احتواء التوسع الغربي واحتواءسيطرته على مسالك التوزيع والأسواق المالية. وهو الملف الذي يشغل بال المسؤولين في موسكو وبيكين لما للعقوبات الأمريكية من وقع على نسب النمو.
وأظهر استخدام نظام «سويفت» للتبادل المالي ضد موسكو أن البلدان الغربية لا ترغب في اقتسام الهيمنة على الأسواق العالمية بالرغم من تراجع حجمها في المعاملات الدولية مقارنة بما عليه اقتصاد الصين والهند وروسيا. وإذا تواصلت الحرب في أوكرانيا فسوف تتحول بدون شك إلى حرب اقتصادية تدخل فيها باقي الدول الآسيوية لما لتأثير الصادرات الروسية والأوكرانية من اتصال بنمو تلك البلدان. ويعتقد جل الخبراء الاقتصاديين أن استقرار الأسواق العالمية رهين للاستقرار الأمني في أوروبا وآسيا وافريقيا وهي الفضاءات التي تتمتع بنسب من النمو تعتبر قاطرة الاقتصاد الدولي. أما الولايات المتحدة الأمريكية التي استرجعت عافيتها خاصة في انتاج مادة الغاز والتي مكنتها من أن تصبح مجددا بلدا مصدرا للغاز فهي تعمل على أخذ مكان روسيا من أجل تزويد البلدان الأوروبية بغازها الطبيعي. لكن كل الأخصائيين يعتبرون أن البلدان المنتجة للغاز لا يمكنها تقنيا رفع منتوجها لتعويض الغاز الروسي المصدر إلى أوروبا. وهو ما يفسر عدم ابطال أوروبا التعامل مع «سويفت» فيما يتعلق بشراء الغاز الروسي الذي يدر على موسكو يوميا ما قيمته 900 مليون دولار تعطي لفلاديمير بوتين قدرة على مواصلة مشروعه لضم أوكرانيا لجمهورية روسيا الإتحادية. وفي غياب خطاب واضح للقيادة الروسية لا يعرف أحد إلى أين سوف تسير «العمليات العسكرية الخاصة» التي أطلقها فلاديمير بوتين لاجتياح أوكرانيا وتداعياتها على باقي دول العالم.
هل يتحول النزاع العسكري في أوكرانيا إلى حرب اقتصادية عالمية؟ أوكرانيا، مطمورة الإتحاد السوفييتي، في قبضة الدب الروسي
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 10:00 14/03/2022
- 643 عدد المشاهدات
في وقت لم تتوقف فيه العمليات العسكرية في أوكرانيا ردت البلدان الغربية بجملة من العقوبات الاقتصادية ضد عدد من البنوك الروسية وضد عدد من المسؤولين السياسيين