ورد الوزير سرغاي شويغو بعبارة «مفهوم»، استفاق العالم على سيناريو كارثي محتمل باندلاع أول حرب نووية في تاريخ البشرية. وجاء الرد الأوروبي بالاستنكار على لسان رئيس المجلس شارل ميشال الذي اعتبر أن الإعلان الروسي «غير مسؤول ويجب التنديد به» وأن «الرد الأوروبي هو الحزم».
وتجسد الموقف الأوروبي في توحيد الصفوف وفرض عقوبات اقتصادية ومالية ولوجستية ورياضية غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية. تهدف كلها إلى عزل روسيا من نظام العولمة التي دخلت فيه منذ عقود واجبارها، في آخر المطاف، على القبول بحل وسط. وقد يكون الحدث الفارق في هذه المسألة قرار ألمانيا القبول بعزل موسكو من نظام «سويفت» للتبادل المالي وخاصة التخلي عن عقيدتها السلمية – المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية – التي تفرض على كل الحكومات الألمانية عدم تسليم أسلحة قتالية لدول في حالة حرب وعدم تسليح الجيش الألماني للقتال. وقد أعلن المستشار أولاف شولتس عن تخصيص 100 مليار يورو لتسليح الجيش الألماني ورفع ميزانية الدفاع من 1،5% إلى 2%. وهي تعتبر رسالة واضحة لموسكو من عدو تاريخي خاض معه الحرب العالمية الثانية.
تهديد بالحرب النووية أم مناورة كاذبة؟
قبل اندلاع اجتياح أوكرانيا ذكر الرئيس الروسي، ردا على سؤال صحفي، في الندوة الصحفية التي جمعته بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في موسكو إثر لقاء دام 5 ساعات أنه «لا يجب أن ننسى أن روسيا بلد نووي». ولئن لم يعر الغربيون أهمية لذلك الخطاب، كعادتهم في التعامل مع الرئيس الروسي، إلا أنهم استفاقوا بعد أسبوع على تهديد واضح بالدخول في حرب نووية «سوف يرون فيها ما لم يرونه من قبل» في إشارة إلى القدرات النووية المتطورة لروسيا التي تسمح لها باستعمال «سلاح ردع» ضد خصومها. ورد على ذلك، بعد يوم فقط، وزير خارجية فرنسا جون إيف لودريان بقوله، في حديث صحفي هو الآخر، «لا بد أن يفهم فلاديمير بوتين كذلك أن الحلف الأطلسي أيضا حلف نووي». وفهم ذلك على أنه اشارة إلى استحالة حدوث حرب نووية بين خصوم يمتلكون نفس القوة.
وكانت الصحافة الروسية – خلافا للصحافة الغربية التي تكتمت على الخبر – قد أكدت على التهديد الذي قام به الرئيس الامريكي جو بايدن في حديثه يوم 26 فيفيري - أي يوما قبل تصريح بوتين – مع المدون الأمريكي براين تايلر كوهين في موقع على أنترنت قائلا: «لا يوجد الا توجهان: إطلاق الحرب العالمية الثالثة، ويعني ذلك مواجهة مادية مع روسيا، أو التأكد من أن هذا البلد، الذي يعمل ضد القوانين الدولية، يدفع ثمن لك.» وفهم الجميع أن الثمن هو العقوبات. وهذا التصريح الأمريكي يرجعنا إلى مربع المواجهات الكلامية بين الغرب والشرق الذي لا يعرف منه ماإذا كانت التحذيرات مرحلة سابقة للهجوم أو هي مناورة كاذبة لدفع الخصم نحو التفاوض كما كان عليه الأمر خلال الحرب الباردة.
الأزمات النووية السابقة
جاء أول «حدث كارثي» نووي على يد الولايات المتحدة الأمريكية باستخدامها القنبلة ضد اليابان عام 1945 في هيروشيما وناغازاكي. خمس سنوات بعد ذلك أطلق الإتحاد السوفييتي قنبلته الذرية عام 1949 ودخل الجانبان في سباق للتسلح منقطع النظير أسفر على أزمة كوبا عام 1962 التي كادت، في عهد الرئيسين كينيدي وخروتشوف، أن تسفر على حرب نووية. ثم سجلت العلاقات بين القطبين مناوشات أدت، خلال حرب أكتوبر عام 1973 بين مصر والكيان الصهيوني، إلى عملية استنفار نووي ثانية من الجانبين.
وكادت الأوضاع أن تتأزم عام 1983 عند إرساء شبكة الصواريخ الأوروبية في القواعد المحيطة بالاتحاد السوفييتي ثم بعد ذلك في عهد الرئيس بوريس يلتسين عام 1995 عند إطلاق صاروخ علمي نرويجي. لكن كل هذه الأحداث لم تدخل الجانبين في حرب نووية لما لعقيدة الحرب الباردة من قوة في اقناع الجانبين بعدم الخوض في التفكير في حرب تقضي على الجميع، بل بالاكتفاء بالتحذير والوعيد وبخوض حروب جانبية تقليدية في مساحات غير حيوية للجانبين في آسيا وافريقيا والشرق الأوسط.
العقيدة النووية الروسية
اليوم تغيرت الأوضاع وموازين القوى ولم تتغير العقيدة النووية للجانبين. فإن اللجوء للقوة النووية بالنسبة للولايات المتحدة وحلف الناتو لا يختلف عن العقيدة الروسية التي تأسست منذ العهد السوفييتي والتي تنشرها روسيا سنويا بعد تطويرها من قبل فلاديمير بوتين في صيغة عقيدة الدفاع الروسي. وتعتبر موسكو في إطارها أن منظمة الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي «خصمان استراتيجيان» بعد عمليات توسيع الإتحاد نحو البلدان الشرقية واحتوائها. وتؤكد العقيدة الروسية على أن القوة النووية ليست «ردعية» على غرار المفهوم الفرنسي، أي ردع الضعيف للقوي بإمكانية الدفاع والرد على الهجوم، بل هي تندرج في إطار الحفاظ على الأمن القومي ويجب استخدام السلاح النووي «في حال ماإذا تم تهديد الدولة في وجودها».
ويتطلب استخدام السلاح النووي موافقة ثلاثة مسؤولين هم الرئيس بوتين ووزير الدفاع سرغاي شويغو ورئيس الأركان فاليري غراسيموف. أما الإجراءات المتبعة إثر قرار الرئيس بوتين فهي تتمثل في وضع القنابل والحاملات في وضع استخدام، ثم تحضير مراكز الاطلاق الأرضية وتفعيل الآليات المتنقلة من عربات، وقطارات نووية، وطائرات، وغواصات. المرحلة الأخيرة للتحضيرات يعين فيها الرئيس الأهداف المحتملة على التراب المستهدف (أوكرانيا) أو على فضاءات أخرى. ويذهب بعض المختصين في الشؤون العسكرية إلى القول بأن أول الأهداف هي المعدات العسكرية للعدو.
وكانت وسائل الإعلام الروسية قد أعلنت عن استهداف الطيران الروسي للمحطات التي ركزها الحلف الأطلسي في أوكرانيا لاستهداف روسيا في إطار شبكة المحطات التي تطوق التراب الروسي، والتي ارساها الحلف الأطلسي في هولندا وألمانيا وإيطاليا وتركيا أين توجد القنابل النووية من طراز «ب -61» الأمريكية الصنع. ويعتبر تحطيم محطات الإطلاق في أوكرانيا حسب الإعلام الروسي، رسالة واضحة للدول الغربية تظهر قدرات موسكو على شل تحركات الحلف الأطلسي.
الترسانة النووية الدولية
الترسانة النووية للدول الكبرى التي تتمتع بهذا النوع من الأسلحة تتمثل في صواريخ أرضية وطائرات استراتيجية وغواصات نووية وبواخر حربية كلها حاملة للسلاح النووي. وحسب آخر تعداد لعام 2021، تمتلك روسيا 6255 رأسا نوويا تليها الولايات المتحدة الأمريكية بعدد 5500 رأسا ثم فرنسا (290) وبريطانيا العظمى (225) من بين البلدان المعنية بالنزاع الحالي. وتأتي الصين بعدد 350 رأسا نوويا. وحسب اتفاق نزع السلاح «ستارت» بين العملاقين يمكن لكل بلد أن ينشر 1550 رأسا نوويا جاهزا للإطلاق. وفي هذا الإطار تتمتع روسيا بقدرات حقيقية لضرب أي موقع على سطح الأرض مما يغير طبيعة الحياة فوقها بسبب تطويرها لصاروخ جديد خلفا لصاروخ «أر -36 فويفودا» ، وهوعابر للقارات أطلق عليه الأوروبيون اسم «شيطان 2».
«شيطان 2» هو صاروخ قادر على أن يفلت من الرادارات الحالية ويضرب موقعا على بعد 12000 كلم 30 دقيقة بعد إطلاقه ويحمل 12 رأسا نوويا. الصاروخ يمكنه أن ينسف مساحة مثل فرنسا بأكملها أو ولاية تكساس بالولايات المتحدة. ويضاف هذا النوع من الأسلحة للطائرة النفاثة «تي-50» والطائرة الجديدة «تي أو -160» المحملة بالقنبلة النووية وهي قادرة على الإفلات من الرادارات الغربية. في المقابل تتمتع الدول الغربية بقدرات مماثلة موزعة في الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا وقواعد نووية في هولندا، وألمانيا، وإيطاليا، وتركيا. وهي كلها من مخلفات الحرب الباردة، موجهة أساسا نحو روسيا.,
سيناريوهات محتملة للحرب النووية
يعتبر الخبراء العسكريون أن استخدام السلاح النووي – إذا تحقق فعلا – وهو سيناريو غير وارد بعد، سوف يكون على مراحل مثل ما حصل في اليابان. أي أن تستخدمه موسكو كسلاح تكتيكي في أوكرانيا فقط لفرض انتصار شامل على الميدان دون ضرب أي دولة نووية يجعلها ترد على روسيا وتدخل الجميع في حرب شاملة مفتوحة لا تعرف عواقبها.
أما السيناريو الثاني فيتعلق بهجوم استراتيجي تدريجي على مواقع غير أساسية مجملها موجودة على التراب الأوروبي وهي تحمل أسلحة نووية أمريكية. وكان فلاديمير مدفيديف رئيس الحكومة الروسية السابق قد افتتح في ديسمبر 2015 قاعدة نووية في كلينينغراد تم تركيز صواريخ بالستية نووية من نوع «إسكندر». وهي قادرة على تدمير المحطات النووية الغربية في أوروبا التي تستهدف روسيا.
أما السيناريو الثالث فيتعلق بهجوم استراتيجي واسع النطاق يشمل الدول النووية مثل فرنسا وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية. وهو سيناريو مفترض لا يعتقد الخبراء أنه على طاولة الكرملين. وفي في حقيقة الأمر، يعتبر السيناريو الثاني الذي يستهدف دولا أعضاء في الحلف الأطلسي استراتيجيا بسبب القانون الأساسي للحلف الأطلسي الذي يسمح لباقي الدول بمساندة الدول المستهدفة. أما واقع العلاقات في الصراع النووي فيخضع لمفهوم «الردع» الذي يفسره الغربيون بمفهوم «الدمار المزدوج المضمون» والذي يعني أن كل الأطراف التي تدخل في الحرب النووية سوف تنتهي بالدمار. وهو السيناريو الذي لا يرغب فيه أحد. بقي على المتنازعين اليوم ن يجدوا مخرجا عبر التفاوض في إطار الحرب التقليدية التي تخوضها روسيا على أوكرانيا.
هل تتحول الحرب في أوكرانيا إلى صدام نووي ؟
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 10:02 02/03/2022
- 803 عدد المشاهدات
بعد أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزيره للدفاع يوم الأحد 27 فيفري على شاشات التلفزيون الروسية بوضع «قوى الردع للجيش الروسي في حالة استنفار خاصة للمعركة»