التأشيرات الظرفية تخفي خلافا عميقا في استراتيجيات البلدين في المنطقة.
السبب الرسمي المعلن للقرار الأمريكي يرجع إلى إيقاف ميتين توبوز أحد الأعوان، من جنسية تركية، في القنصلية الأمريكية بتهمة «التجسس» و»الإرهاب» بسبب انتمائه المزعوم لحركة الانقلاب الذي تتهم فيه أنقرة الداعية الإسلامي فتح الله غولان بتنظيمه. وسبق أن طالبت تركيا رسميا الولايات المتحدة بتسليمها الداعية دون جدوى. وكانت السلطات التركية قد أوقفت في شهر مارس موظفا آخر في قنصلية أمريكية جنوب تركيا أين توجد قاعدة «إنشيرليك» العسكرية التي تستخدمها أمريكا لتركيز 50 رأسا نوويا و طائرات تشارك في الحرب ضد داعش. ووجه القضاء التركي له تهمة مساندة حزب العمال الكردستاني المحظور.
«تبادل الأسرى»
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عديد المناسبات عن رغبته في «تبادل الأسرى» مع واشنطن خاصة بعد أن أوقفت السلطات الأمريكية القس الأمريكي أندرو برانسون بتهمة التعامل مع «الإرهابيين». و يأمل أردوغان عبر ذلك النجاح في إقناع واشنطن بتسليمه فتح الله غولان. و كان الرد الأمريكي بأن قررت وزارة العدل في السابع من شهر سبتمبر 2017 إيقاف سبعة أشخاص قريبين من حزب أردوغان الإسلامي بتهمة «تبييض الأموال» و«الرشوة» و «مخالفة قانون العقوبات ضد إيران».
لكن القرار الأمريكي المتعلق بالتأشيرات، الذي جاء بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتركيا يوم 28 سبتمبر وزيارة أردوغان لإيران يوم 4 أكتوبر مع تزامن الحملة التي أطلقها الرئيس الأمريكي ضد طهران، تدل على أن الأزمة أعمق من أن تتعلق بإيقافات لشخصيات من الصف الخلفي. الزيارات المكوكية الأخيرة في المنطقة ، و التي شهدت كسر حاجز تاريخي بزيارة الملك سلمان لموسكو ، بين الرؤساء الفاعلين في المنطقة أربكت الموقف الأمريكي بعد أن انتصبت تركيا، وهي عضو في الحلف الأطلسي، في صف روسيا و إيران.
التحالف الثلاثي
في تطور نسبي للتحالفات في منطقة الشرق الأوسط لعبت تركيا دورا أساسيا في كسر الإستراتيجية الأمريكية الرامية إلى عزل إيران و الاصطفاف إلى الموقف الخليجي في ملفي سوريا و طهران. و حسب تصريحات الزعماء الروس و الإيرانيين الأخيرة اتضح أن روسيا و إيران و تركيا تعمل في اتجاه تكوين ثلاثي استراتيجي في المنطقة يتمحور حول معارضة المشروع الكردي مقابل حل الأزمة السورية طبقا لمبادئ أستانا. وهو ما يعارض المشروع الأمريكي الذي يساند على الأرض عسكريا و ماديا القوى الكردية السورية في معركتها لتحرير الرقة من تنظيم داعش.
وتأمل واشنطن أن يكون لها وجود عسكري على الأرض من خلال سيطرة الأكراد وقوات المرتزقة التي تجندها في الرقة يمكنها من استعمال الضغوطات اللازمة للتأثير على الحل النهائي في سوريا. في المقابل التنسيق بين أنقرة و طهران في مقاومة المد الكردي و التسهيلات الروسية الممنوحة لتركيا في حربها على مدينة إدلب تشير إلى تراجع الموقف الأمريكي في عهد دونالد ترامب و إلى تغيير نوعي في موازين القوى على الأرض في سوريا والعراق.
في هذا الإطار، خلق أزمة تحت غطاء «منح تأشيرات دخول» يخفي، في حقيقة الأمر، إخفاق واشنطن في إدارة شؤون المنطقة كما كان لها ذلك قبل التدخل الروسي وقرار الرئيس أوباما سحب الجنود الأمريكيين من العراق و عدم التدخل العسكري في سوريا. وأحدث مؤشر على ذلك هو قرار الملك سلمان زيارة موسكو و تنشيط العلاقات مع العدو السابق الذي تعتبره المملكة منذ الحرب الباردة راعي الإلحاد و الكفر. وقد شاركت في تشكيل قوة «الأفغان العرب» بقيادة أسامة بن لادن لمقاومة النظام الشيوعي بمعية الولايات المتحدة الأمريكية. تغير الموقف السعودي من روسيا ومد جسر بين أنقرا وطهران يشكلان عنصرين أساسيين لفهم الأزمة الأمريكية التركية الحالية.