هل ينجح إيمانويل ماكرون في تغيير أوروبا؟

تنقل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بروكسل للمشاركة في أول قمة أوروبية له حاملا جملة من المواضيع للنقاش تهدف إلى تطوير عمل الإتحاد الأوروبي وتتعلق ببعث برنامج دفاعي أوروبي وتجميع الجهود لمقاومة الإرهاب والعمل على حماية المؤسسات الإقتصادية الأوروبية

والتمسك بالمبادئ والقيم التي بني عليها الإتحاد في حين أظهرت بعض الدول تحررها منها واعتبارها قيودا تحد من سيادتها على أراضيها.
واصطدمت بعض مطالب الرئيس ماكرون، التي تشاور في خصوصها مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال زيارته لبرلين، بمواقف بعض الدول الشرقية وفي مقدمتها المجر و بولونيا و الجمهورية التشيكية وسلوفاكيا التي تحررت من مبادئ شنغان واغلقت حدودها أمام اللاجئين واتخذت إجراءات تحد من الحريات الفردية والعامة. وهي مسائل ندد بها الرئيس الفرنسي قبل التحاقه بقمة بروكسل معتبرا أن «أوروبا ليست سوبر ماركت» ملمحا للإعانات التي يقدمها الإتحاد للدول الشرقية والتي تفرض مقابلا ، حسب الرئيس الفرنسي، يتعلق باحترام مبادئه.

إعادة ترميم المحور الألماني الفرنسي
بات من الواضح أن كل تغيير في المواقف الأوروبية الموحدة لا بد أن يخضع لموافقة برلين علما وأن ألمانيا أصبحت، على أرض الواقع ،الفاعل الأساسي في أوروبا اقتصاديا وسياسيا وأن توازن القوى الذي تأسس في معاهدة لشبونة لن يتغير بفعل فاعل. لذلك وجد الرئيس الفرنسي نفسه يعمل في طريق إعادة ترميم الثنائي الألماني الفرنسي مستغلا بذلك توجهه الأوروبي وحسن انتخابه و تمتعه، بخلاف كل الحكومات الأوروبية، بتفرد حزبه بأغلبية مطلقة بدون مشاركة أي حزب مساند، وبتمتعه لوحده بمقعد في مجلس الأمن.
هذه الامتيازات سهلت إعادة تشكيل الثنائي الألماني الفرنسي على أساس أن ماكرون لا يعارض، خلافا لسابقه، التوجه الليبرالي بل يريد ترشيده والحد من «قانون الغاب» الذي تفشى عبر بعض الإجراءات الأوروبية. ووجد في هذا الموضوع أذنا صاغية من برلين. لكن الصعوبة تكمن في التوصل إلى إجماع أوروبي في باقي المسائل بحكم تمتع الدول الأعضاء بحق النقض في المبادئ الأساسية لمعاهدة لشبونة. وهو ما تستعمله بعض الدول الشرقية في المواضيع التي لا تناسب توجهاتها.

هذا الوضع الجديد في أوروبا تأثر بأزمة اللاجئين منذ 2015 وخروج بريطانيا من الإتحاد و تغيير الموقف الإستراتيجي الأمريكي مع دونالد ترامب المتعلق بالدفاع المشترك و بالتحالفات في الشرق الأوسط. وهي مواضيع حساسة فرضت على الأوروبيين تشكيل حزمة من الإجراءات العاجلة لضمان وحدة الصف و العمل على حماية مصالح دول و شعوب الإتحاد الأوروبي.

نظام عسكري موحد
نجاح الرئيس ماكرون في فرنسا أبهر الأوروبيين و شجع المفوضية على تقديم مقترحات تدعم التوجه الأوروبي للرئيس الفرنسي الذي اعتبرته سندا . خلال القمة الأوروبية تمكن ماكرون ، اعتمادا على قرار قمة برشلونة، من فرض البدء في تجميع الجهود من أجل تكوين برنامج دفاعي أوروبي مشترك في جو يخيم عليه انحلال الحلف الأطلسي الذي بات مبرمجا مع تراخي الولايات المتحدة و عدم قبولها باستمرار تمويلها له دون أن تشارك الدول الأوروبية بجدية في ميزانية الحلف. و تقرر تخصيص ميزانية تقدر بمليار ونصف يورو سنويا ابتداء من 2020 سوف تخصص للبحوث العسكرية و تدعيم الطاقات الدفاعية. و سوف تشرع الدول الأعضاء في دراسة الطرق الأنجع للتقدم نحو تكوين وحدة دفاعية موحدة و مستقلة تكون الدرع الحامي لأوروبا في عالم متغير و متعدد الأقطاب. وهو مشروع طموح و متشعب الجوانب سوف يشغل المسؤولين الأوروبيين في السنوات القادمة.

الأمن العسكري له علاقة وطيدة بالحرب على الإرهاب إذ تشارك الجيوش الأوروبية في الحملة الدولية ضد الإرهاب في العراق و سوريا إلى جانب بعض المشاركات من ألمانيا خاصة في حملة فرنسا على الإرهاب في بلدان الساحل الإفريقي و في ليبيا. و تمكن ماكرون في هذا الموضوع من الحصول على موافقة الدول المشاركة في تجميع الطاقات التقنية و تبادل المعلومات في قوائم المسافرين في الطائرات و مراقبة شبكة الانترنت وغلق المواقع التي تستخدمها الجماعات الإرهابية مع دعم مراقبة الحدود الخارجية المشتركة.

انشقاقات أوروبية
لكن الرئيس ماكرون لم ينجح في إقناع الإتحاد بتغيير بعض الممارسات المتعلقة بحماية السوق المشتركة من المد الصيني و بتعديل قانون تشغيل العملة في دول الإتحاد و ذلك بعد رفض الإجراء من قبل بعض الدول الشرقية وهي التي تتمتع بتمكين مئات الآلاف من مواطنيها بتشغيلهم في مختلف الأسواق الأوروبية بأجور منخفضة مما أحدث منافسة غير متكافئة أثرت سلبا على سوق الشغل في بعض الدول الأوروبية في مقدمتها فرنسا.

و إن أكد الرئيس ماكرون في الندوة الصحفية المشتركة التي نظمها مع أنجيلا ميركل على ضرورة التمسك بحق اللجوء و فتح باب أوروبا للاجئين الفارين من الحرب و الإستبداد فإنه لم ينجح في تغيير موقف بلدان «مجموعة فيشغراد» (بولونيا، المجر، الجمهورية التشيكية و سلوفاكيا) المتمسكة بحقها في اتخاذ إجراءات استثنائية ضد الهجرة و اللاجئين و لو تعارضت مع المبادئ العامة للاتحاد. وهو ما يشير إلى حدود «نفوذ» الرئيس الفرنسي بالرغم من صغر سنه و الشحنة الإيجابية التي يتمتع بها.

في العموم، يمكن القول أن القمة نجحت في إعادة المشروع الأوروبي إلى طريقه الأصلي مع فتح حوار – يمكن أن يطول – في صلب الإتحاد حول إعادة هيكلته بعد خروج بريطانيا منه. و عبرت القمة بالإجماع عدم رضاها عن مقترحات الوزيرة الأولى البريطانية تريزا ماي و تمسكها بفرض حلول تسمح بضمان حقوق الأوروبيين المقيمين في بريطانيا وتلاغم بريطانيا على دفع 60 مليار يورو للمفوضية كتصفية لتركة الخروج. وجود ماكرون في القمة أعطاها قوة جديدة تمكن الدول الأوروبية من دخول المفاوضات بقوة خاصة أنه تمكن من ترميم الثنائي الفرنسي الألماني الذي سوف يكون القاطرة التي تجر أوروبا في السنوات القادمة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115