جاء في خطاب جوبي أمام الصحافة شيء من الوعي الدقيق بالأزمة و مرارة لما حصل من “خسارة” و تقوقع حول”النواة الراديكالية” لمناصري فيون مع شعور ب “فوات الأوان”لا يسمح له بتقديم ترشحه. و كانت عبارات ألان جوبي قاسية على فرنسوا فيون يصعب بعدها أن نتخيل تراجعه عن موقفه و الوقوف بسهولة وراء مرشح الجمهوريين. وكان الخطاب إشارة لمناصريه حتى لا ينساقوا بسهولة و يهرولوا وراء فيون بدون تنازلات على مستوى التمثيلية و البرنامج يقدمها لهم.
انتصار الشرعية على المناورات السياسية
تمكن فرنسوا فيون في مدة 24 ساعة من تنظيم مظاهرة ضخمة في تروكاديرو ساحة حقوق الإنسان الباريسية و من إعلان تمسكه بمنصبه أمام الجمهور ثم في قناة فرانس 2 بالليل قبل أن يشارك في أعمال المكتب السياسي للحزب يوم الإثنين.و تمكن من”إقناع” زملائه بعدم وجود بديل له بعد تنحي ألان جوبي وعدم بروز “زعيم” آخر قادر على لم شمل اليمين و الوسط. و استطاع أن يصمد ضد تيار نيكولا سركوزي معتبرا أن قوانين الحزب لا تعطي أيا كان الحق في إبطال ترشحه. واستغل الفراغ القانوني في القانون الأساسي للحزب بالإشارة إلى أنه لا يزال متمسكا بترشحه و أن كل خطوة مضادة تعتبر غير قانونية.
قرار المكتب السياسي “مساندة فرنسوا فيون بالإجماع” يخفي، في الحقيقة، الإنقسامات داخل الحزب. وهو خطوة أولى نحو تسوية الوضع الداخلي قصد لم شمل الفصائل المتناحرة داخله وتمكينها من المشاركة الفعالة في الحملة بعد أن أعلنت انسلاخها منها. وهو تحد كبير بالنسبة لفريق فرنسوا فيون لأنه يستوجب التوصل إلى إرضاء شق نيكولا سركوزي من ناحية و أنصار ألان جوبي من ناحية أخرى لضمان استقرار يمكن أن يسمح بإعادة عجلة الحملة الإنتخابية من جديد.
رهانات متشعبة
إثر القرار الجماعي للهيئة السياسية اجتمع صباح الثلاثاء 7 مارس كل من فريقي جوبي و ساركوزي للتشاور كل في موقعه قصد تحديد المبادئ التي يجب توخيها في المفاوضات مع فرنسوا فيون لضمان مكاسب تتعلق أساسا بالحملة و بتمثيلية كل الفصائل في القوائم الإنتخابية لتشريعية جوان المقبل وبالبرنامج الإنتخابي و بالمناصب الحكومية في صورة نجاح فرنسوا فيون.و لا تتطابق مطامح الفريقين بل هي تتعارض في مسائل تتعلق بإدارة المالية العمومية و بالحفاظ على المساعدات للفقراء و الطبقات الضعيفة و أخيرا الموقف من الإسلام و الإسلاميين في فرنسا. وهو ما يؤكد تشعب المسألة و يفتح الباب أمام حلقات جديدة في مسلسل الإنتخابات.
من جهة أخرى، لا بد لفرنسوا فيون أن يجد العبارات و المقترحات العملية لإقناع حلفائه السابقين في حزب الوسط و قد أعلنوا انسحابهم من الحملة و طالبوا حزب الجمهوريين بتعيين خليفة له.وهي عملية تكاد تكون مستحيلة لما لحزب الوسط من تشعب داخلي و مواقف متضاربة. ففريق منه يريد الإنضمام لإمانويل ماكرون المرشح اليساري المتحالف مع شريكهم الوسطي القديم فرنسوا بايرو. و فريق ثان يعتبر أنه لا بد من التحاور مع فيون في ظل الوضع الجديد للحزب واستحالة تنحيته من السباق.
إمكانية توحيد حزب الجمهوريين و إعادة الصلة مع الوسط لا تكفي لضمان أغلبية في صفوف الناخبين. فكل التقارير الميدانية التي قدمتها شبكات الإعلام الفرنسي وعمليات سبر الآراء تشير إلى حيرة الناخب و عدم قدرته على فهم ما يجري في الطبقة السياسية الفرنسية التي أصبحت تتشبث بالكراسي أكثر من خدمة الصالح العام.ولا بد لفرنسوا فيون ان يبرهن الآن على قدرته على توحيد الصفوف و إرجاع الأمل للناخبين اليمينيين في المرتبة الأولى قبل أن يحصل على أصوات إضافية من اليسارو أقصى اليمين تمكنه من الفوز. وهو أيضا ما يمكن من كتابة سيناريو جديد في مسلسل الحملة.