والمتأمل في جلسة المصارحة التي تأخرت، إقرار «الصيد» بأنّ النجاح الذي حققته الحكومة واقعي ومتنزل في سياق «تركة الماضي» وهو أيضا نسبي ومرتبط بإكراهات مارستها مختلف الأحزاب. وقد حرص «الصيد» على تصحيح المعلومات التي سرّبها المحللون والخبراء والتي ساهمت بشكل أو بآخر في إشاعة حالة من الخوف والإحباط.
وليس يخفى أنّ رئيس الحكومة ألح في أكثر من مرّة، على أهمية التشاركية إن كان في مستوى عمل الحكومة أو علاقته برئيس الدولة ولكنّه انتقد في نفس الوقت، تجاهل قائد «السبسي» لهذا المبدأ حين أطلق مبادرة قرطاج دون الرجوع إليه والاستماع إلى رأيه وهو الذي يتحمّل مسؤولية إدارة الحكومة. ولا يمكن التغاضي عن أهميّة المرجع القانوني في خطاب رئيس الحكومة فقد احتكم إلى الدستور فوضّح مدى التزامه بمراعاة طبيعة السلط وعلاقة الرؤساء بعضهم ببعض وعدّد طرق الخروج من الحكومة وأبان عن خياره ومبرراته إذ ظلّ الرجل متمسكا بالرجوع إلى البرلمان والخضوع للمؤسسات الرسمية.
وبقطع النظر عن طبيعة المبررات التي قدمها رئيس الحكومة ، والردود التي عرضها فإن خطابه كان متماسكا ورصينا وهادئا ومراعيا لأخلاقيات رجل الدولة ولعلنا لا نبالغ إن اعتبرنا أن هذا الخطاب أكثر نجاعة من خطاباته السابقة. ولئن عبر «الصيد» في أكثر من مرة، على وطنيته وتواضعه وحرصه على استمرارية الدولة فإنّه ظل كتوما غير راغب في ممارسة النقد الذاتي وفضح المستور. فهل يعود الأمر إلى حرص «الصيد» على الخروج «النظيف» من الحكومة دون السقوط في الإثارة ؟ مهما يكن الامر فإننا نذهب إلى أنّ الاستنتاجات التي نخرج بها من إدارة «الصيد» لهذه الأزمة تجمع في مسائل منها التحول من سياسة الرجل المهيمن الذي ينصب ويعزل متى يشاء إلى سياسة احترام ما جاء في الدستور من مواد تنظم العمل السياسي، ومنها أيضا أنّ «مبدأ» التوافق لا يمكن أن يحل محل الدستور والقوانين، ومنها أنّ زمن «التلاعب» بالمسؤولين لصالح المصالح الحزبية قد ولّى، ومنها...