صحيح أن اللجنة كانت استشارية ، لكن قناعتي اليوم راسخة بأن نصها وخاصة منه الباب الأول الواضع أسس السياسة التنموية لم يقرأه أولئك الذين كتبوا المشروع المنشور وان كانوا فعلوا ذلك لكانوا اعتمدوا العديد مما جاء به.
سأقتصر في ما يلي على معالجة ما كان يمكن للدستور أن يتضمنه من مواد أساسية في الشان الاقتصادي والاجتماعي
1. لا توجد أية إشارة في المسودة المنشورة الى الجالية التونسية بالخارج. للقارئ ان يتساءل ما إذا كان هذا التهميش معتمدا وممنهجا ؟ هل يقتصر اهتمامنا بتونسي العالم بتحويلاتهم المالية السخية دون الاعتراف بحقوقهم وتشريكهم في إدارة الشأن العام ؟
اقترحت اللجنة الاستشارية فصلا عالج وجوب ضمان الحقوق السياسية والمدنية ومصالح التونسيين في جميع انحاء العالم والحفاظ على روابطهم مع الوطن في مختلف المجالات وتعزيز مساهمتهم في تنميته ومشاركتهم في المؤسسات الاستشارية للدولة
أتساءل لما ألغي هذا الفصل ان كان قٌرىء؟
2. كيف يمكن تفسير تجاهل الاشارة الى الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بينما تحدث النص المقترح على وجوب التعايش بين القطاعات الثلاثة: العمومي والخاص والاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟ ألسنا في أشد الحاجة اليوم لفتح كل الآفاق أمام كل المبادرات الكفيلة بخلق الثروات ومواطن الشغل الكريم والاستجابة إلى حاجيات المواطنين وخاصة منها الاجتماعية وهذا دور الاقتصاد التضامني والاجتماعي دون منافسة للقطاعين العام والخاص.
3. يعتمد الفصل الوارد في المسودة والمتعلق بالحق في بيئة سليمة نفس صياغة دستور 2014: صياغة تختزل السياسات العمومية في الشؤون البيئية إلى مكافحة التلوث وتدل على عدم فهم من كتبه لتحديات العصر والتحولات الكونية بينما تناول النص المقترح من اللجنة الاستشارية وجوب التصالح بين متطلبات التنمية والتوازنات البيئية والاخذ بعين الاعتبار لحسن التصرف في الموارد الطبيعية ومجابهة التغيرات المناخية.
4. اعتمد الفصل الاول من مشروع اللجنة الاستشارية مجموعة من القيم والمبادئ تسعى الى فتح آفاق جديدة أمام الشباب و الجهات والكفاءات والقدرات الوطنية كمبادئ الادماج وتكافؤ الفرص والتضامن بين الفئات والجهات والاجيال. لم ير كاتبوا المسودة المنشورة فائدة في اعتماد اي من هذه القيم
5. كرّس المشروع الحق في المبادرة وهو كان من الطلبات الاوائل للثورة اذ ان اندلاع هذه الاخيرة كان جراء رفض محمد بوعزيزي منعه من المبادرة الاقتصادية. كل من يدعي الاستجابة الى ما يريده الشعب ويرفض اعتماد الحق في المبادرة يعبر عن فهم مبتور لمطالب الثورة.
6. اعتمد مشروع اللجنة الاستشارية الحرية الاقتصادية كمبدا وأكد ان الاستثناءات لا توضع الا بقانون.
7. وأخيرا ولا آخرا اعتمدت اللجنة بعث مجلس اقتصادي واجتماعي وبيئي دستوري يكون استشاريا متفتحا على الأطراف الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني والجهات والكفاءات يعمل في هدوء على تقييم السياسات العمومية وتقديم الرأي للحكومة بعيدا عن غوغاء السياسة والشعبوية الآنية.
هذا ملخص لاهم ما ارتأته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية واقترحت اعتماده صلب الدستور لكن أصحاب القرار رأوا غير ذلك ورموا بعمل اللجنة في سلة المهملات.
لن يستجيب أي نص قانوني وحده مهما علا شأنه الى طلبات الشعب وهي أساسا وتكرارا : الشغل الكريم والحق في المبادرة وظروف اجتماعية لائقة من تعليم وصحة وسكن. هذه ابجديات التعايش السلمي كان يمكن لنص الدستور ان ياخذها بعين الاعتبار لو تم اعتماده بشفافية اعلى وتشاور اوسع.