خاص: الباروميتر السياسي لشهر مارس 2022 تزايد التشاؤم مع استقرار الثقة الكبرى في قيس سعيّد

بعد أن كان التونسي متشائلا في شهر فيفري الفارط تعود موجة التشاؤم إلى الهيمنة النسبية بـ%52.4 مقابل %45.2 من الذين يرون أن البلاد تسير في الطريق الصحيح أي بتراجع بحوالي 5 نقاط ولكن رغم هذا ورغم التقييم السلبي للغاية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تبقى نسبة الثقة الكبيرة مرتفعة في رئيس الجمهورية ،أي أن التونسيين - وبعد مرور ثمانية أشهر على حالة الاستثناء وتجميع قيس سعيد لكل السلط - لا يحملون لصاحب قرطاح مسؤولية سوء أوضاعهم الاجتماعية،هذه هي النتيجة الأهم والأبرز في هذا الباروميتر السياسي لشهر مارس الجاري والذي تنجزه مؤسسة «سيغما كونساي» بالتعاون مع جريدة «المغرب».
مباشرة بعد 25 جويلية صعد مؤشر التفاؤل إلى مستويات مرتفعة للغاية إذ كان أكثر من ثلاثة أرباع التونسيين متفائلين في شهر أوت الماضي (%77) ثم بدأ منسوب التفاؤل في التراجع إلى أن بلغ في شهر مارس الجاري أدنى مستوياته خلال هذه الأشهر الأخيرة بـ%45 إي بخسارة أكثر من ثلاثين نقطة مقارنة بشهر أوت الماضي .
• في سوسيولوجيا التشاؤم
لقد تعود قراؤنا الكرام على الفكرة التالية : التونسيون ليسوا متساوين أمام التشاؤم أو التفاؤل والمحدد في هذا لا يكمن فقط في وضعيتهم الحالية بل في سقف انتظاراتهم وفي ما يعتقدون انه سيكون مآل الأمور في المستقبل القريب .
-جهويا التشاؤم هو الطاغي في ولايات الجنوب التونسي (قابس ومدنين وتطاوين) بـ%67.4 تليها ولايات الوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) بـ%61.3 فالشمال الشرقي (بنزت ونابل وزغوان)بـ%59.6 ثم الجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي) بـ%58.3 والوسط الغربي (القيروان وسيدي بوزيد والقصرين) بـ%57.4 .
في المقابل تكون ولايات الشمال الغربي (باجة وجندوبة والكاف وسليانة) الأكثر تفاؤلا بإطلاق بـ%59.6 تليها ولايات تونس الكبرى (تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) بـ%52.2 ثم ولاية صفاقس بـ%51.7.
• جندريا النساء أكثر تشاؤما بوضوح من الرجال : %60.1 للنساء مقابل %42.4
• اجتماعيا التشاؤل (تساوي التشاؤم مع التفاؤل) هو الطاغي على الطبقة المرفهة وعلى الطبقة الوسطى العليا ثم يغلب التشاؤم نسبيا عند الطبقة الوسطى السفلى(%51.5 مقابل %46.1) ويصبح هو الطاغي عند الطبقة الشعبية بـ%61.1.
• جيليا العلاقة عكسيا بين التشاؤم والتقدم في السن فهو في مستويات استثنائية عند صغار الشباب(18-25 سنة) بـ%80.3 وينزل إلى %58.6 عند صغار الكهول (26-44 سنة) ثم يعود التفاؤل عند الكهول (%55.5 مقابل %42.9) ويكون هو الطاغي عند الذين تجاوزوا الستين (%60 مقابل %36.7 )
• معرفيا الأميون متشائلون تماما بينما يكون البقية متشائمين وخاصة عند مستوى التعليم الابتدائي بـ%56.8 مقابل %41.9.
ما الذي تقوله لنا كل هذه الأرقام ؟
تفيد الاستنتاجات الأساسية أن التشاؤم مرتبط بحجم الانتظارات وبطبيعتها فمن كان ينتظر من 25 جويلية شغلا مباشرا، كالشباب،قد خاب أمله بوضوح والجهات التي تمثل حاضنة شعبية قوية لأحزاب المعارضة هي الأكثر تشاؤما كذلك كالوسط الشرقي بالنسبة للدستوري الحر والجنوب الشرقي لحركة النهضة..
والنساء أكثر تشاؤما من الرجال لأنهن الأكثر هشاشة اجتماعية من جهة ولأنهن يجدن أنفسهن في مواجهة الصعوبات اليومية للعائلة التونسية،كما لا يخفى على احد أن الفئات الاجتماعية التي تعتبر نفسها الأكثر تضررا من حكم النهضة هي الأكثر تفاؤلا اليوم لأنها ترى في قيس سعيد وفي تدابيره الاستثنائية الفرصة الذهبية للتخلص النهائي من الإسلام السياسي .
• الأولويات الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين
إجمالا يعتبر التونسيون منذ سنوات أن الوضع الأمني جيد (%80 في مارس الجاري) مقابل سوء الوضع الاجتماعي (%82 في مارس 2022) والسوء الكبير للوضع الاقتصادي (%90 في مارس) وهذه الأرقام تكاد تكون نفسها على امتداد السنوات الخمس الأخيرة .ونتيجة لهذا فإن الأولويات التلقائية للتونسيين -والتي على الحكومة الاشتغال عليها قبل غيرها - كلها أولويات اقتصادية واجتماعية كتحسين القدرة الشرائية والحد من الفقر ومكافحة البطالة وتحسين الحالة الاقتصادية مع تركيز خاص على قطاعي التعليم والصحة في حين تأتي مكافحة الفساد ومراقبة الأسعار والاحتكار في المرتبة السادسة وفي هذا يختلف التونسيون جوهريا على حكامهم الحاليين إذ لا يرون في مكافحة الفساد أولوية الأوليات .
• الثقة في الشخصيات السياسية
رغم غلبة التشاؤم على التونسيين وتقييمهم السنبلي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلا أنهم مازالوا لا يحملون السلطة الحالية مسؤولية تردي أوضاعهم ومازالت ثقتهم كبيرة جدا في رئيس الجمهورية إذ يثق فيه بصفة كبيرة %66 من المستجوبين يضاف إليهم %22 من الذين يثقون فيه نسبيا وهذا يجعل من قيس سعيد يحلق بعيدا عن الجميع دون منافس جدّي لا في مؤشر الثقة الكبيرة ولا في نوايا التصويت في الرئاسية كما سنرى ذلك غدا..
وتستفيد رئيسة الحكومة نجلاء بودن هي الأخرى من هذا المستوى المرتفع من الثقة في قيس سيعد لتكون في المرتبة الثانية في مؤشر الثقة الكبيرة بـ%31 ورغم ترجعها بنقطتين خلال هذا الشهر لا يعد ذلك تراجعا حقيقيا لأننا نبقى في مستوى هامش الخطإ.
وبعيدا عن ثنائي السلطة التنفيذية نجد ثالوثا اعتياديا يتكون من عبير موسي (%17) والصافي سعيد(%16) وعبد اللطيف المكي (%15) .
في الجهة المقابلة وفي مؤشر الانعدام الكلي للثقة في الشخصيات السياسية نجد زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان المعلقة اختصاصاته راشد الغنوشي بـ%88 ثم نبيل القروي (%79) فـ:علي العريض (%75) وسيف الدين مخلوف(%75) والمنصف المرزوقي (%74)..
نحن هنا أمام صورة أضحت شبه معتادة:
ثقة مرتفعة جدّا في رئيس الدولة وانعدام كلي للثقة في أهم رموز الائتلاف الحاكم السابق وحلفائه الجدد والقدامى على حد سواء .
• ثقة التونسي في الهياكل والمؤسسات
يحتل الجيش الوطني منذ الثورة المرتبة الأولى في منسوب الثقة في الهياكل والمؤسسات وبصفة شبه اجماعية:%98 من الثقة منها %91 من الثقة الكبيرة وكان دوما متبوعا بالمؤسسة الأمنية (%88 في مارس الجاري منها %61 من الثقة الكبيرة ) ولكن الجديد بعد 25 جويلية احتلال رئيس الجمهورية للمرتبة الثانية بـ%90 في هذا الباروميتر منها %65 من الثقة الكبيرة كما نلاحظ ارتفاع المنسوب الإجمالي للثقة في الحكومة (%79 منها %38 من الثقة الكبيرة)
ومجد في وسط الترتيب الهياكل الوسيطة من جمعيات المجتمع المدني والأئمة والإعلام وكذلك هيئة مكافحة الفساد والإدارة العمومية وهذه كلها تتجاوز عتبة %50 في إجمالي الثقة لمن نسبة الثقة الكبيرة فيها لا تتجاوز في كل الأحوال %25.
اللافت للنظر هنا أن النقابات تحتل المرتبة قبل الأخيرة رغم حصدها لسبع نقاط إضافية هذا الشهر ولكن منسوب الثقة الإجمالي فيها دون النصف (%44 منها %11 فقط من الثقة الكبيرة) أما الأحزاب السياسية فتحافظ دوما على المرتبة الأخيرة بـ%17 من الثقة الإجمالية فيها فقط %4 من الثقة الكبيرة،وهذه الوضعية قائمة منذ أن وضعنا الباروميتر السياسي الشهري في جانفي 2015 فانعدام الثقة في الأحزاب السياسية لا علاقة له بـ25 جويلية بل بحكم التونسيين على أدائها منذ سنوات طويلة.
وتفيد كل المعطيات التي سبق ذكرها في هذا المقال بأننا أمام معادلات هشة لا يمكنها الاستمرار وأن السلطة السياسية سوف تحمّل ضرورة في يوم من الأيام مسؤولية الأوضاع العامة في البلاد وعندها قد تتغير معطيات عديدة في المشهد السياسي في البلاد .
• غدا: نوايا التصويت في التشريعية والرئاسية
الجذاذة التقنية للدراسة:
• العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 805 تونسيا تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
• تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
• طريقة جمع البيانات: بالهاتـــف
CATI) Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
• نسبة الخطأ القصوى: %3،5.
• تاريخ الدراسة: من 14 إلى 19 مارس 2022