وإفتكاك المساحات والمبادرة من يد الرئيس تمهيدا لإعادة رسم التوازنات حتى في صالحهما.
اقدمت الاغلبية البرلمانية خلال الايام الاخيرة على خطوتين تعتقد أنهما هامتان لتحقيق مكاسب سياسية في اطار المواجهة المفتوحة بينها وبين رئاسة الجمهورية، الخطوة الاولى كانت المصادقة بعد قراءة ثانية على مشروع تنقيح قانون المحكمة الدستورية بـ141 صوتا.
جلسة حرصت فيها نواة الاغلبية البرلمانية، وهي الثلاثي حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، على ان تكون الجلسة بمثابة «منازلة» ومحاكمة لرئاسة الجمهورية التي قيل فيها ما لم يقله مالك في الخمر، وقدمت على انها تهدد بتفكيك البلاد وتزج بمؤسساتها في حرب انطلقت لان الرئيس قيس سعيد اخترق الدستور وتجاوز صلاحياته.
هذه السردية التي دأب الثلاثي الداعم للحكومة على تكرارها لم تكن الا جزءا من تصور يقوم على الدفع بالرئاسة الى الزاوية وإحراجها داخليا وخارجيا. اذ تحصل مشروع القانون على الاغلبية المعززة التي يفرضها الدستور، وبالتالي ما على الرئيس الا ان يختم القانون وينشره او ان يخاطر بالظهور كمن يعارض الدستور ويخترقه.
الدفع الى الزاوية ليس الهدف الأساسي فقط بل هو بمثابة الإعلان عن ان البرلمان يضم اغلبية تناوئ الرئيس وتختلف عنه، نواتها الصلبة معارضة له بشدة اما محيطها فيضم كتلا تقدرّ مواقفها بالتوازنات والمصالح، وهي كتلة الاصلاح وتحيا تونس والوطنية، هذه الكتل الثلاث تتحرك وفق تصور تروجه وهو للدفع بالرئاسة الى الالتزام بدورها وصلاحياته وعدم الغاء دور البرلمان. الذي تراه بمثابة قوة توازن في وجه الرئاسة.
لكن حقيقة المشهد مختلفة إذا وقع التدقيق في التفاصيل، فالصراع اليوم بين الرئاسة و6 كتل برلمانية تشكل اغلبية برلمانية نجحت في رسم «توافقات» بينها على عدة قضايا وأولها الرئاسة التي باتت تتعرض لمحاولة محاصرة وسحب اوراق اللعب من يدها.
فالمصادقة الى مشروع تنقيح قانون المحكمة الدستورية ليس الا خطوة اولى تريد منها الحكومة وضع الرئاسة في الزاوية ودفعها الى رفض ختم القانون وهو أمر متوقع في ظل تلميحات من محيط الرئيس بأنه يرفض ما أتاه المجلس، والاهم بالعودة الى تصريحات رئيس الجمهورية يوم السبت الفارط وقوله ان البعض يدفع الى المواجهة عوضا العمل على معالجة مشاكل التونسيين.
رفض الرئاسة هو ما تنتظره الاغلبية، لتفعل خطوتها الثانية، وهي دفع حكومة المشيشي الى طلب تفويض من البرلمان لاصدار المراسيم. على معنى الفصل 70 من دستور 2014، تفويض اشارت اليه الحكومة في وثيقة الاصلاحات التي قدمتها لصندوق النقد الدولي. وتحدث عنها رئيس كتلة قلب تونس اسامة الخليفي
ووفق حزام الحكومة من الضروري على البرلمان ان يطالب المشيشي بتفويض من البرلمان ليتمكن من إصدار مراسيم تسهل مهامه في مقاومة مخلفات وباء كورونا والأزمة التي تمرّ بها البلاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
وهنا ورغم التشديد على ان التفويض لا يندرج في اطار الصراع مع الرئاسة الا ان الواقع مختلف، فالأغلبية البرلمانية المتكونة من حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وتحيا تونس وكتلة الاصلاح والكتلة الوطنية، تتحرك وفق تصور يبحث عن تجاوز عقبة «فيتو» الرئاسة، اي انها تريد ان تضمن قدرتها على تمرير سياساتها دون ان تكون مهددة باستعمال الرئاسة لصلاحياتها الدستورية بردّ القوانين للبرلمان او عرضها على الاستفتاء.
ولتحقيق هذا تحتاج الى حجة قوية لتمرر «التفويض للحكومة» وهذه الحجة هي تعامل الرئاسة مع مشروع تنقيح قانون المحكمة الدستورية بعد التصويت على اثر القراءة الثانية، لتستعملها الاغلبية البرلمانية لمنح الحكومة تفويضا يمكنها من تنزيل سياستها، وهنا ايضا يسوق التفويض على انه مقترن بمجابهة الحالة الوبائية والوضع الاقتصادي.
هذه الخطوات التي قطعتها الاغلبية البرلمانية او تستعد لها، تكشف عن ان الصراع بين المؤسسات سيستمر في عبثيته وان الازمة سترتفع حدتها اكثر بعد ان بلغت مرحلة الانسداد وانعدام الافق، فما تقدم عليه الاغلبية البرلمانية والحكومة سيجابه بخطوات مضادة من رئاسة الجمهورية التي تعدّ عدتها لشنّ لهجمة مضادة على الحكومة والاغلبية في الايام القليلة القادمة.
بعد خطوة المحكمة الدستورية.. السعي للتفويض: جولة جديدة في الصراع العبثي بين مؤسسات الدولة
- بقلم حسان العيادي
- 10:03 07/05/2021
- 2149 عدد المشاهدات
تحركت الاغلبية البرلمانية والحكومة خلال اليومين الفارطين وفق خطة منسقة تهدف إلى كسب نقاط في الصراع مع رئاسة الجمهورية