على واجهتين، مجزئا مبادرته الى مسارات تتعلق بالسياسي والاقتصادي والاجتماعي كل على حده.
أمضى الاتحاد اول امس الاربعاء امضى اتفاقا مشتركا مع حكومة المشيشي بموجبه وقع التوافق على خطة اصلاح 7 مؤسسات عمومية ومراجعة المنظومة الجبائية والدعم. اتفاق كان نتاج مشاورات بيت الحكمة التي اطلقتها الحكومة مع شركائها الاجتماعيين بهدف الوصول الى توافق على خطة الاصلاح الاقتصادي وفق ما يطالب به صندوق النقد الدولي.
دلالات هذا الاتفاق المشترك بين حكومة المشيشي واتحاد الشغل لا تقتصر عن كونه من اهم اوراق التفاوض التي ستتقدم بها حكومة المشيشي الى المؤسسات المالية الدولية في مساعى تعبئة موارد مالية لسد عجز الميزانية. وأبرزها صندوق النقد الدولي الذي سبق له وان طالب بشكل صريح ان تتقدم له الحكومة بخطة اصلاح تكون محل توافق مع الشركاء الاجتماعيين ومعلنة.
وتكمن اهمية هذا الاتفاق في المعنى السياسي الذي يقدّمه، فالاتفاق بين الحكومة والاتحاد ستكون اولى انعكاساته فصل مسارات الحوار الوطني المنتظر، اذ بعد اكثر من اربعة اشهر على تقدم الاتحاد بمبادرته لإقامة حوار وطني سياسي واقتصادي واجتماعي. سحبت المنظمة الجزء الاهم من الملفات الاقتصادية والاجتماعية ونجحت في الوصول الى توافق مع حكومة المشيشي بشانها. اي ان الملفات المستعجلة والحارقة وقع حسمها ولم تعد من مشمولات الحوار الوطني، وهذا معناه ان المنظمة النقابية فصلت المسارات عن بعضها وان بشكل غير رسمي وغير معلن، وبات المسار السياسي منفصلا عن الاقتصادي والاجتماعي، اي ان الحوار الوطني اذا اقيم في الايام القليلة القادمة لن تكون من عناصره الملفات التي حسمت، او هذا ما يبرزه الاتفاق.
المسألة الثانية التي تبرز من اتفاق الحكومة واتحاد الشغل. التي كان الدافع اليها بشكل اساسي هو وضع المالية العمومية الصعب. هي ان حكومة المشيشي نجحت نظريا في امتصاص الصدمة والخروج من منطقة الخطر. فبنود الاتفاق بينها وبين الاتحاد توفر بشكل غير معلن مظلة للحكومة وتمنحها هامشا للحركة خاصة وان الاتفاق يقر ضمنيا لها بدعم الاتحاد لا حبا فيها بل لتحقيق بنود ما تم الاتفاق عليه.
هاتان المسألتان تنقلاننا الى ما يبدو انه زمن سياسي جديد في تونس، اذ بات جليا ان الحوار الوطني لم يعد ضرورة قصوى اذ يبدو ان الاتحاد اوجد صيغا اخرى من بينها الاتفاق مع الحكومة، كما ان الحوار الوطني ان سحبت منه الملفات الاقتصادية والاجتماعية العاجلة يفقد ثقله والمحركات الدافعة نحوه والتي كان من ابرزها ضغط الوقت وضرورة صياغة اتفاق قبل الذهاب للمؤسسات المالية.
بهذا يكون ما تبقى اليوم ليوضع على طاولة الحوار الملف السياسي بالأساس. اي الازمة بين رأسي السلطة التنفيذية التي انفجرت مع ملف التحوير الوزاري. وحلّ هذا الملف لن يكون الاولوية القصوى طالما ان امكانية ابرام اتفاقات مع المؤسسات المالية الدولية باتت شبه مضمونه بالاتفاق بين الحكومة والاتحاد.
كما ان التوجه لإبرام اتفاق مالي مع المؤسسات الدولية -بدوره- يوفر غطاء للحكومة التي سيكون من الصعب تغييرها في خضم المسار التفاوضي وهذا بدوره يجعل من الحوار الوطني مقتصرا على ملفات تقنية نسبيا كالقانون الانتخابي والنظام السياسي وهي ملفات اليد العليا فيها للبرلمان الذي يمكنه ان يدير حوارا بين كتله عن هذه النقاط دون الحاجة لرئاسة الجمهورية.
اي ان الحوار الوطني بإشراف رئيس الجمهورية لم يعد اليوم من اولويات البلاد العاجلة وبهذا يفقد الرئيس اوراق ضغطه وقدرته على استعادة المبادرة رغم اللقاء الذي جمع قيس سعيد بنور الدين الطبوبي منذ اسبوع والذي تعلق بتنزيل مبادرة الحوار. اي ان الرئاسة وبسبب اهدارها لأشهر عديدة وعدم حسمها لموقفها من المبادرة فقدت كل قدرتها على التأثير والتغيير في المشهد وباتت لاعبا ثانويا فيه بعد ان كانت اللاعب الرئيسي.
هذه الخسارة تتحمل الرئاسة بمفردها المسؤولية عنها لرفضها تفعيل مبادرة الحوار، خاصة طوال عمر ازمة التحوير الوزاري التي ولجت اليوم اسبوعها العاشر. وهو ما دفع بالاتحاد لفصل المسارات عن بعضها لتجنب اهدار المزيد من الوقت خاصة وان البلاد على ابواب شهر رمضان الذي تليه الامتحانات الوطنية والعطلة الصيفية .
وقد أمهل الاتحاد الرئاسة اسبوعا لتنزيل مبادرته، ويبدو ان هذه المهلة ستمضى كما مضى غيرها دون تفاعل فعلي من الرئاسة التي غاب عنها ان السياسية أزمنة وعدم اتخاذ القرار في وقته يكلف صاحبه خسائر.
خشية من عدم تحرك الرئاسة اتحاد الشغل يجزئ مبادرته: الاقتصادي والاجتماعي للحكومة والسياسي للبرلمان ...فماذا بقي للرئيس ؟
- بقلم حسان العيادي
- 10:44 02/04/2021
- 1207 عدد المشاهدات
يبدو ان اتحاد الشغل اتعظ من وضع كل بيضه في سلة الرئيس إذا تعلق الامر بالحوار الوطني. وهذا ما قد يفسر تحرك الاتحاد