الطبقة الماسكة بمقاليد الحكم المنشغلة بعوالمها الخاصة. نظرا لإصابتها بـ«الذُّهان» الذي عزلها عن واقع بلاد قد تعجز عن تسيير ابسط مرافقها لخواء خزينتها.
بلغ الوضع في تونس درجة من العبثية تحول دون فهم منطقي له وإدراك الاتجاه الذي تمضى إليه الامور. تشابك وتعقد تفاقم بإقحام مؤسسات البلاد في الازمة السياسية بين الماسكين بمقاليد الحكم. مناورات انغمست فيها اطراف الصراع وصمت آذانها عن الدعوات للتعقل وإنقاذ البلاد من الوقوع في الهاوية.
هاوية تسارعت خطوات البلاد اليها منذ شهر. تاريخ عقد مجلس الامن والقومي والانطلاق الفعلي لازمة التحوير الوزاري. وهي الرصاصة التي اعلنت عن بداية تناحر المؤسسات السيادية في تونس وجر باقي المؤسسات الى ساحة المعركة. وخاصة المؤسسة القضائية التي حشرت في حرب القصور.
حرب يبدو انها قد تستمر. لأسابيع اضافية. اذ ان المتناحرين تحصنوا في مواقعهم ينتظرون ما تحمله الرياح من انباء سارة لهم. سواء اكانت انتصارا في الشارع او تنازلا من قبل هذا او ذاك تحت وقع الضغط المتزايد. او معجزة ترسلها السماء. المهم لكلا المتناحرين- ولكل منهما حججه ومنطقه في تفسير الصراع- ان يكون انتصاره كاملا غير منقوص.
انتصار لم تحمل الريح بشائره. بل حملت نذيرا بان القادم سيء غير مسبوق. ازمة جديدة تضاف الى الازمات السابقة التي عصفت بالبلاد وغفلت عنها الطبقة السياسية الحاكمة التي اصابها «الذُّهان». والذهان هو ان يصيب العقل بخلل. يجعله عاجزا عن التفكير المنطقي والإدراك الحسي فينفصل عن واقعه وتصيبه نوبات هلوسة وتوهمات ارتيابية تجعل تفكيره «مفككا» غير منطقي ولا متصل وتنتهى به الى فقدان الاتصال مع الواقع.
واقع انفصلت عنه اطراف التناحر فيه تونس. اذ هي في عوالم اخرى تسودها «المؤامرات» والدسائس وتهدّد فيها حياة الشعب ومستقبله ان هي اذعنت او فرت من ساحة المعركة. عوالم اخرى يقيّم فيها الوضع الصحي والاقتصادي والمالي والاجتماعي للدولة التونسية على انه بخير وانه إذا اصابها الخطر فهو نتيجة «تعنت» الاخر.
انفصال عن واقع البلاد هو ما تقدمه تصريحات ومناورات الطبقة السياسية خلال الشهر المنقضي. ناهيك عن التاريخ السابق. فما تقدمه هو الحديث اما عن استمرارية سير مرافق الحياة ودولايب الدولة دون اي تعطل او تعثر او تحميل مسؤولية تفاقم الازمة لأحد اطراف النزاع مع التنصل الكلي من اية مسؤولية فعلية عما بلغته ازمة المالية العمومية التي ستشهد تسارعا في وتيرة تفاقمها سيما وان التصنيف السيادي الجديد لتونس هو B3مع افاق سلبية.
تصنيف جاء ليعلن ما رفضت الطبقة السياسية ان تتصالح معه. وهو ان البلاد على شفا الافلاس والهاوية. فهي مطالبة بان تتوجه الى السوق المالية العالمية لاقتراض 12 مليار دينار، وفق التقديرات الاولية المعلن عنها في قانون مالية 2021، التي ستشهد تحيينا بعد التطورات الاخيرة.
اذ ان حكومة وبقراراتها الاخيرة الهادفة لشراء السلم الاهلي فاقمت من النزيف وحملت الدولة نفقات اضافية بـ2 مليار دينار. اضافة الى خطإ التوقعات بنسبة النمو لسنة 2020 والبداية المتعثرة لسنة 2021 وباقي المؤشرات الاقتصادية والمالية.. كل هذا يعلن ان الحكومة فشلت في مهمتها التي اعلنت عنها وهي ايقاف نزيف المالية العمومية والتحكم في العجز ونسبة المديونية.
فشل سيجعلها تلجأ للاقتراض لتغطية العجز المرشح للارتفاع. ولئن هذا غير كاف يضاف التصنيف الجديد الذي ستكون تداعياته مباشرة على جهود تعبئة الموارد المالية للدولة التونسية. فالتصنيف الجديد سيدفع بالجهات المقرضة اما لرفض الاقراض او لفرض نسبة فائدة مرتفعة والتقليص من اجال الامهال ومدة الدفع.
هذا الوضع المأسوي للمالية العمومية. ليس من اولويات الفاعلين في المشهد التونسي ولا من عناصر خطابهم. وإذا ذكر فانه يذكر بهدف تسجيل نقاط على الاخر لا لأدراك فداحة ما يهدد البلاد من عجز كلي يصيبها ويشل كل قطاعاتها.
تونس اليوم أزمات بالجملة : «ذُهان» الطبقة السياسية
- بقلم حسان العيادي
- 11:47 25/02/2021
- 1512 عدد المشاهدات
تعددت الازمات في تونس بين سياسية ومالية وصحية...الخ وباتت عصية على العد ، إلا انها لم تكن كافية للفت انتباه