وحزامه البرلماني- بخياراتهم الاولى المنعكسة سلبا على واقع بلاد التي تقودها «نصف حكومة» لا يعرف الى متى ستصمد ويصمد رئيسها قبل الوصول الى النهاية المعلومة.
تعيش البلاد في ظل وضع عام سمته الازمة في كل المجالات، وضع صحي يتسم بحالة وبائية تعلن السلطات انها نجحت نسبيا في السيطرة عليها، مشهد اجتماعي محتقن في ظل استمرار التحركات والاجتجاجات منذ بداية جانفي الفارط، وضع اقتصادي متأزم انعكس على المالية العمومية التي تعاني من انخرام في الموازنات تستوجب ان تخرج الحكومة الى السوق المالية الدولية لاقتراض 12 مليار دينار، وهو رقم مرشح للارتفاع.
كل هذا كان كافيا لتكون البلاد في وضع صعب، ولان المصائب لا تأتي فرادى يضاف إلى كل هذه الازمات صراع مؤسسات الحكم الذي بات تناحرا بلغ اليوم اسبوعه الثالث، اذ مر 15 يوما منذ أن نال وزراء المشيشي الـ11 الجدد الثقة من نواب الشعب في جلسة عامة سبقها بساعات اجتماع مجلس الامن القومي الذي اعلن فيه الرئيس ان له احترازا على مسار التحوير الوزاري وعلى بعض المقترحين الذين تلاحقهم شبهات فساد وتضارب مصالح.
مشهد باتت تفاصيله معلومة منذ ان رفض الرئيس دعوة رئيس الحكومة هشام المشيشي ووزراءه الجدد للالتحاق بالقصر واداء اليمين الدستورية، ليعلن انه لن يتراجع عن ما اعلنه في اجتماع مجلس الامن ملقيا بالكرة في ملعب رئيس الحكومة وحزامه البرلماني المتكون من كتلة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وتحيا تونس وكتلة الاصلاح والكتلة الوطنية.
حزام قضّى اسبوعين وهو يبحث عن مخرج «قانوني» يمكن رئيس الحكومة هشام المشيشي من تجاوز عقبة اليمين الدستورية فكان مقترح «الاجراء المستحيل» الذي تبين لاحقا انه غير كاف ليوفر للرجل ووزراءه ممرا آمنا إلى مناصبهم. اذ ان الاجراء ستنحصر استتباعاته القانونية عند مسالة اداء اليمين ولا يمكنه ان يتمدد ليشمل صدور الاوامر الرئاسية بتسمية الوزراء، وهو شرط اساسي دونه لا يمكن لهم مباشرة مهامهم.
اسبوعان امضتهما الاغلبية البرلمانية والحكومة في البحث عن مخرج من بينه التلويح بخيار المرور بقوة او اعادة هيكلة الحكومة لتصبح حكومة مصغرة لا تستوجب المرور بمسار التحوير وغيرها من خيارات تدرسها رغم انها تدرك ان ايا منها «مأزق» جديد وانه لن ينقذ الحكومة ورئيسها من حتمية وحيدة امامهما وهي المغادرة بعد ان اتضح ان القصر بات متحكما في مصيرها وانه لم يعد يرغب في بقائها، وعليه فهو سيستمر في تضيق الخناق عليها اكثر فاكثر دون كشف كل اوراقه خاصة بعد رد فعل المشيشي على اشارة الرئاسة الى ان التحوير غير دستوري لعدم احترامه مقتضيات الفصل 92 من الدستور الذي ينص على ان حذف او احداث وزارات او كتابة دولة يمر وجوبا عبر مجلس وزاري.
واقع يجعل السؤال الاساسي اليوم في البلاد، الى متى يمكن للمشيشي وحزامه ان يستمرا في مكانيهما لا يبرحانه في اتجاه الحل؟ اذ ان الرجل اليوم يرأس حكومة نصفها لا يمكنه ان يباشر مهامه التي تركت لوزراء اقالهم المشيشي او اعفاهم من مهامهم وهم اليوم عاجزون عن الاشراف على وزاراتهم باعتبار انهم غير قادرين على اتخاذ قرارات او اصدار اوامر وختم المراسلات لا تكون محل مؤاخذة قانونية بسبب انتفاء الصفة.
واقع حشر المشيشي نفسه وحكومته فيه، ليجعل من حكومته مشلولة غير قادرة على تسير الشؤون اليومية لبلاد تعيش على وقع حالة وبائية وازمة اقتصادية بحكومة مشلولة تنتظرها في الايام القليلة القادمة محطات كبرى، منها اللقاح والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتعبئة الموارد المالية من الاسواق الدولية وغيرها من المهام المستعجلة ناهيك عن المهام اليومية لإدارة الشأن الداخلي.
وضع يجعل من ضرورة الحسم في الازمة امر محتما ومستعجلا لتجنب ان تصبح الازمة «حرب مواقع» بمقتضاه تدخل البلاد في حالة من الفراغ والعطالة لأسابيع لا يمكنها ان تتكبد تكلفتها الاجتماعية والاقتصادية والصحية، ويبدو ان هذا لازال بعيد المنال في ظل سعى كل طرف من اطراف الازمة على تمطيط الوقت اكثر عبر اللجوء الى معارك تنقل الازمة الى مؤسسات البلاد والشارع. اذ ان المشيشي وبخياره التوجه الى المحكمة الادارية يدرك انه في طور تعميق الازمة وان المحكمة وايا كان رأيها لا يمكنها ان تغير مجريات الامور، ولعل هذا ما التقطه حزامه السياسي الذي يبدو انه اقنع الرجل بان الحرب تكسب بتعبئة حلفاء من خارج الحزام، لذلك كانت المراسلة ولحقتها دعوات اطلقها جزء من الحزام لتعبئة الشارع بهدف النزول الى الشارع في مسيرة «داعمة للرجل».
خطوتان يأمل المشيشي وحزامه ان يكتسبا من خلالها نقاطا ويجبرا الرئيس على الجلوس الى طاولة المفاوضات للوصول الى اتفاق، لكنها لن تمنحهما الا مزيدا من الوقت – على حساب البلاد- لتجنب النهاية التي باتت حتمية .