المتعددة ومعلنا عن دخول الصراع السياسي الى منطقة «العبث» في ظل تمسك رئاسة الجمهورية برفض دعوة الوزراء الجدد لأداء ايمين وتلويح الاغلبية الحاكمة وحكومتها بالذهاب الى «الاجراء المستحيل».
خلال الساعات الـ48 الفارطة برهنت الاطراف السياسية التونسية عن انها نقلت الصراع السياسي الى مرحلة جديدة وهي «العبث» ودفع باقي مؤسسات البلاد الى الانخراط في الازمة رغما عنها، فما جد من تطورات اتسمت بمراوحة بين «التهدئة» والحديث عن جهود وساطة لحل الازمة بين الرئيس والمجلس والحكومة. وبين تصعيد «خطابي» وتهديد مبطن حملته كلمات رئيس المجلس راشد الغنوشي.
المراوحة بين التصعيد والتهدئة خيار انتهجته الاغلبية البرلمانية ومن خلفها الحكومة بهدف الضغط على رئاسة الجمهورية وجعلها في حالة ارباك لتجبرها على البحث عن مخرج ودعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستوري ونشر الاوامر الرئاسية بالتعيين او ان يحاصر الرئيس اكثر ويقدم على انه «غير ناضج» كما وصفه المشيشي تلميحا في جلسة منح الثقة.
تقاسم الادوار في الضغط والدفع بالرئاسة الى الزاوية هو ما يتداول عليه رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب. فقد شدد الغنوشي على ان غياب التوافق كشف عن ان النظام السياسي التونسي في حاجة الى تعديل ليكون برلمانيا بعد استيعاب الدرس من عيوب النظام الحالي التي يلمح الى ان قيس سعيد هو المسؤول عنها.
تحميل المسؤولية للرئيس وتقديمه على انه حجر عثرة للخروج من الازمة قام به رئيس الحكومة بدوره فهو ولئن خير تأجيل قيام وزرائه الجدد بالتصريح بمكاسبهم من يوم امس الى موعد لاحق في ظل تعذر القيام بهذا الاجراء في ظل عدم صدور الاوامر الرئاسية بتسمية الوزراء الجدد. لكن المشيشي سوق هذه العثرة على انها محاولة لتهدئة وإصلاح التوتر بين الرئاسة وبينه ومنح الرئيس مخرجا من الازمة الحالية كليا لا يضطره الى المرور الى اجراءات اخرى. تقتصر فقط على الاستنجاد بـ«الاجراء المستحيل» لتيسير عملية تسلم الوزراء لمهام دون القيام بأداء اليمين الدستوري.
يمين دستورية يرفض الرئيس قيس سعيد ان يدعو الوزراء الجدد إلى ادائها، وهو رفض مستمر اذ تشدد مصادر من الرئاسة على ان سعيد لن يغير موقفه الذي اعلن عنه قبل اسبوع في اجتماع مجلس الامن القومي، وانه لن يستقبل الوزراء الـ11 كما انه لن يختم اوامر التسمية.
ليستمر الوضع على حاله الرئاسة متمسكة برفض التراجع عن قرار منع الوزراء تلاحقهم شبهات فساد وتضارب مصالح من اداء اليمين الدستورية ليكون ذلك حائلا بينهم وبين تسلم مهامهم ، فيما الاغلبية البرلمانية والحكومة تلوح بالذهاب الى خيار الاجراء المستحيل وتجاوز الرئيس وعقبته.
وضع قيل ان جهود وساطة تعمل على حله ولكن الرئاسة تنفي هذا لتكذب رواية الاغلبية البرلمانية التي جعلت من يوم الغد اخر اجل لحل الازمة او المرور الى الخيار الثاني الذي تعتبره كفيلا بحل المشكل والسماح لمؤسسات الدولة بان تستعيد نسق عملها وتعالج الازمات الفعلية للبلاد.
لكن ما لم تعلنه الاغلبية ولا الحكومة او الرئاسة ان الوضع الراهن ليس اسوء ما هناك، بل ما قد ينجر عن عدم الوصول إلى حل يرضى الثلاثي، اذ ان الصراع بينهم سينتقل بثقله الى باقي مؤسسات الدولة ووزاراتها.
ما يلوح في الافق هو المجهول الذي يكمن في ان الوزراء الجدد وان باشروا مهامهم دون صدور اوامر التسمية او اداء اليمين الدستورية سيجعلون كل قراراتهم وأوامرهم محل طعن لدى المحكمة الادارية، التي ستجد نفسها امام احتمال النظر في طعون تقدم ضد قرارات تسمية او اجراءات وتراتيب يتخذها الوزراء الجدد وهو ما سينقل الازمة الى مربع جديد من شانه تعطيل كل المؤسسات.
ثانيا كيف سيتعامل حلفاء الرئيس وأبرزهم الاتحاد مع الوزراء الجدد هل يقبلون الدخول معهم في مفاوضات ام ستقتصر معاملة الاتحاد على رئيس الحكومة وتجنب الذهاب الى مفاوضات مع الوزراء الجدد او ابرام اتفاقيات معهم لتجنب عقبات قانونية واصطفاف سياسي ضد الرئيس.
كل المؤشرات لا تنبئ بان الفاعلين السياسيين في البلاد مدركون لما بلغته الازمة من تعقيدات باتت تهدد بالقفز في المجهول.