فالائتلاف الحاكم قرر المضي قدما في تنزيل خياراته وفرضها على البقية لتحقيق اكثر من هدف، الاول تعزيز الترابط بين مكوناته والثاني استعادة البرلمان لزمام المبادرة في البلاد.
حدد مكتب مجلس النواب رزنامة عمل المجلس لشهر اكتوبر الجاري محملا اياها رهان تحقيق الاغلبية البرلمانية لاختراق المشهد البرلماني والسياسي في البلاد وذلك عبر احالة 10 مشاريع قوانين على أنظار الجلسة العامة للنظر فيها والمصادقة عليها في اقل من اسبوعين.
عشرة مشاريع اعتبرت أربع منها «خطرة» ومهددة للانتقال الديمقراطي اولها مشروع القانون المتعلق بزجر الاعتداء على القوات المسلحة الذي تحولت تسميته الى مشروع قانون حماية القوات الامنية والديوانة بعد تنقيحات لجنة التشريع العام والجهة المبادرة على النسخة الاولية للمشروع التي قدمت في 2015.
مشروع ينتهك قاعدة التناسب بين الفعل الإجرامي والعقوبة المستوجبة كما يقدم حصانة لقوات الامن الداخلي والديوانة في تعارض مع تعهدات الدولة بالسعي الى الحد من الافلات من العقاب لمن يرتكب مخالفة او جرما من العاملين في القطاع الامني والديوانة.
مشروع اعلنت الكتلة الديمقراطية وكتلة النهضة عن رفضهما له ، بعد ان حشدت منظمات وجمعيات وطنية الشارع ضده لما يمثله من خطر وانحراف عن مسار الاصلاح وتركيز الامن الجمهوري.
ليس هذا فقط ما يمثل انحرفا يسعى البرلمان الى انفاذه اذ وقعت احالة مشروع تنقيح القانون الأساسي المتعلق بالمحكمة الدستورية والقاضي بتعديل الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية بهدف استكمال انتخاب اعضائها الثلاثة المتبقين وهو ما تراهن عليه الاغلبية البرلمانية الحالية، النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة بهدف سلب رئاسة الجمهورية ورقتها الرابحة، وهي صلاحية تأويل الدستور.
مشروع ثالث احيل على الجلسة العامة وهو مشروع القانون المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ الذي لا يقدّم في صيغته المحالة على الجلسة العامة أي ضمانات لحماية الحقوق والحريات ومنح صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية، وزارة الداخلية والولاة، دون منح السلطة القضائية صلاحية فعالة لمراقبة ممارسة هذه الصلاحيات وحماية الحقوق والحريات .
اخر المشاريع المعروضة مقترح تنقيح المرسوم عدد 116 المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري التي تنطلق ايضا من مقاربة تخفيض الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضاء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري الى 109+1 وهنا يبرز توجه الجهات المبادرة ورغبتها في إخضاع الهيئة إضافة إلى التنقيحات المتعلقة بإلغاء كراس الشروط وفتح القطاع السمعي البصري للمال السياسي وغيرها. مشاريع قوانين انطلق البرلمان في مناقشتها في ظل محاولات التحالف الثلاثي المتكون من النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة ، تطويع المشهد البرلماني ومن بعده السياسي لتقاطعاتهم ، اذ ان الاغلبية البرلمانية الحالية تحركت خلال الاسابيع والأيام الفارطة لتهيئة المشهد.
تهيئة يرام منها تنزيل تصور الثلاثي على الارض ، الهيمنة بشكل كلى على البرلمان وضبط نسق عمله وتوجهه، فمكتب المجلس احال على الجلسة العامة المنعقدة امس مشروع قرار يتعلق بإقرار إجراءات استثنائيّة لعمل مجلس نواب الشعب، الذي تمت المصادقة عليه باغلبية 118 .
مشروع ادرج ضمن جدول أعمال المجلس بعد تعذر ضمان تمريره خلال اليومين الفارطين ، نتيجة الانتقادات الموجهة اليه من قبل المعارضة التي تجاهل مكتب المجلس مطلبها للنظر في رئاسة لجنة المالية ورحله الى اجتماعه القادم.
تحرك يراد به الاعلان عن ان الثلاثي هو من يتحكم في عمل المجلس، بعد ان سحبت منهم المعارضة وخاصة الدستوري الحر المبادرة في السنة الفارطة ، لكن هذه السنة يبدو ان الثلاثي وضع منهجية عمل. منهجية تقوم على الانتقال من التحكم في البرلمان ورسم نسق عمله الى التحكم في المشهد العام، وهذا يقتضى التسريع في حسم مسألة المحكمة الدستورية، والنظر في تنقيح الفصول المتعلقة بانتخاب بقية اعضائها، لاستكمال المحكمة وجعلها حكما في النزاعات بين المجلس والرئيس. محكمة تريد الاغلبية وضع يدها عليها، بانتخاب الاعضاء الثلاثة المتبقين ، ممن يرونهم مناسبين، مع المراهنة على اختراق باقي الأعضاء، الذين سيعينهم الرئيس ومن سيعينهم المجلس الاعلى للقضاء.