والحيلولة دون انسحاب الشركات البترولية من الجنوب التونسي ، تحرك تريد من خلاله الرئاسة ان تصيب سربا من العصافير بحجر وحيد، الحكومة ورئيسها والنهضة وحلفاؤها وتعزيز التموقع في المشهد...الخ، مكاسب تبرر مراهنة الرئاسة على تفادي خطر الفشل وتبعاته عليها.
في تصريحات ادلى بها المستشار الاقتصادي لرئيس الجمهورية اول امس الجمعة اعلن ان رئاسة الجمهورية انخرطت في مساعي حل ملف «الكامور» وانها صنفت الملف على انه ملف أمن قومي جعلت معالجته من صلاحيات الرئيس الذي يعتزم إيجاد حل سريع لإعادة وتيرة الإنتاج ومراعاة مطالب المحتجين «قدر الإمكان».
معالجة تتضمن وفق رئاسة الجمهورية وضع نموذج تنموي جديد يستجيب لخصوصيات المنطقة، اذ تبحث الرئاسة عن إيجاد حلول مجددة تقطع مع الحلول التقليدية وتشمل تشجيع المبادرة الفردية و وبعث الشركات الناشئة والتنمية الزراعية والخدمات البترولية وملحقاتها وذلك بالتعاون مع الشركات العاملة في المنطقة.
هذا التصور يبحث عن معالجة ملف الكامور وفض الاعتصام بوحدة الضخ الرئيسية والذي تواصل منذ 16 جويلية الفارط، ذات الشهر الذي شهد اغلاق وحدة الضخ رقم 4 وتركيز خيام المحتجين من منتسبي «تنسيقية الكامور» على خلفية ما اعتبروه سياسة المماطة التي انتهجتها السلطات.
اعتصام اجبر في اوت المنقضي 3 شركات بيترولية («أو أم في تونس» و«اوتي ج فنتير» والفرع التونسي للعملاق الايطالي إيني) على مراسلة الرئاسة بهدف حثها على التدخل لتجنب الغلق الكلي للحقول، وهو ما استجابت له الرئاسة اول امس، وقد عبر عن ذلك حسن بالضياف المستشار الاقتصادي للرئيس اذ وفق ما قاله فالرئاسة لها رؤية ستناقشها مع الحكومة ومع الاطراف المعنية، تتضمن إيجاد حل سريع وضبط نموذج تنموي جديد بالمنطقة، وكل هذا ستقوم به رئاسة الجمهورية بالتنسيق مع رئاسة الحكومة التي ستحدد قائمة المعنيين بمعالجة الملف.
فالرئاسة وفي خطابها او سلوكها تجعل من رئاسة الحكومة شريكا في حل الملف، ولكنه شريك ثانوي فالملف سيحال الى مجلس الامن القومي، الذي وفق الامر الحكومي عـدد 70 لسنة 2017 المؤرخ في 19 جانفي 2017 والمتعلق بمجلس الأمن القومي الذي حددت مهامه في الفصل الاول بـ«السهر على حماية المصالح الحيوية للدولة في إطار تصور استراتيجي يهدف إلى صون سيادة الدولة واستقلالها وضمان وحدة ترابها وسلامة شعبها وحماية ثرواتها الطبيعية».
ادراج ملف الكامور في جدول اعمال مجلس الامن القومي مغامرة تريد من خلالها الرئاسة ان تسرع في معالجة ملف لم يعد يحتمل التأخير شأنه شأن ملفات اخرى تشتغل عليها الرئاسة وتعتبر ان معالجتها بسرعة امر ضروري، لكن يبدو انها ستؤجل الى حين الانتهاء من ملف الكامور.
اذن الرئاسة وبسحبها للملف من رئاسة الحكومة، وان كانت تحرص على نفي ذلك او الاشارة الى ان المعالجة ستكون مشتركة، ستقامر بما لديها من اجل تحقيق مكسب، فالرئيس وفريقه يدركون ان هذا الملف الذي تعذرت معالجته من قبل الحكومات السابقة سيكون الاختبار الاول لهم.
اختبار إذا نجحوا فيه سيتمكنون من سحب النجاح على ملفات اخرى ستنتقل من القصبة الى قصر قرطاج ويعنى هذا انتقال جزء من «لصلاحيات الحكومة» للرئاسة ، لكن هذا النجاح غير مضمون فالرئاسة لم تحدد بعد خطواتها لمعالجة هذا الملف او كيف ستقوم به، اكتفت فقط بالخطوط العريضة.
خطوط قد لا تتعدى مرحلة الشعارات خاصة وان الملف سيجد تعقيدات اضافية، فهو وبعد ان تدخل الرئاسة سيكون «ملفا للتجاذب» ان تنجح الرئاسة وهذا سيكون في غير صالح خصومها ، والقائمة هنا يبدو انها تجاوزت الائتلاف الحاكم الذي قد يكون اكثر المتضررين من نجاح الرئيس.