خطاب رئيس الجمهورية في موكب أداء اليمين الدستورية: دق طبول الحـــــرب

« أرى تحت الرماد وميض جمر ** يوشك أن يكون له ضرام»
«فإن النار بالعودين تُذكى ** وإن الحرب مبدؤها كلام»

هذان بيتا شعر لنصر بن سيّار اخر ولاة الخلافة الاموية بولاية خراسان سابقا (حاليا هي المنطقة الممتدة بين الشمال الغربي لأفغانستان ومناطق من جنوب تركمانستان ، مقاطعة خراسان في إيران) نظمهما مع بداية «ثورة /تمرد» بنى العباس في القرن الثامن ، اراد من خلالهما ان يحذر بان الحرب بين بني امية وخصومهم قادمة طالما ان الكلام مهد لها وأنه على دولة بني امية التي ينتسب إليها ان تستعد للحرب.
ذلك ما كان عليه الحال امس في قصر قرطاج حينما مهد الرئيس في كلمته لحرب مفتوحة مع الاحزاب وخاصة احزاب الائتلاف الحاكم الجديد، النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة ، وذلك خلال خطاب القاه على هامش موكب اداء اعضاء الحكومة الجديدة لليمين الدستورية امامه.
كلمة امتدت حوالي 17 دقيقة انطلق فيها الرئيس بصوت منخفض هامس لايكاد يسمع وأنهاها جهرا ليبلغ صوته مسامع من استهدفته الكلمات، اولها ان سياتي اليوم الذي سيكشف فيه الرئيس عن «الحقائق» الممكن كشفها وفق واجب التحفظ الذي المح الرئيس انه ملتزم به.
وتغيرت نبرة الخطاب مع الغوص في الكلمات لتحمل غضبه الى سامعيه ، فهو وطوال اول امس استمع الى ما جد من نقاشات في الجلسة العامة المخصصة لمنح الثقة للحكومة وإلى المداخلات التي القاها نواب بالمجلس ، الذين نالهم نصيب من غضب الرئيس للبعض ورضاه عن البعض الآخر.
فالرئيس قال انه استمع لقلة اصدعت بالحق ولم تتردد في قول الحق، ولكن هناك من كذب وادعى وافترى، وهؤلاء باتوا كثرا وفق قوله «ما اكثر المفترين هذه الايام» وما عناه الرئيس بتنويهه بأقلية قالت الصدق وأغلبية «كذبت» هو ما نقل على لسانه في جلسة منح الثقة من انه طلب حرفيا إسقاط حكومة المشيشي، وذلك ما صدر تصريحا او تلميحا بالأساس عن نواب ثلاث كتل، قلب تونس وائتلاف الكرامة وبعض من نواب النهضة.
من هنا انتقل الرئيس ليستهدف مجموعة بعينها ، وصفها بأنها «تفتي» «تكذب» ولها «خيال مريض»، وهي ايضا «تدعى في العلم معرفة» والحال انها فاشلة «وحمقاء» وما يندرج في هذا المعجم من صفات سلبية حرص الرئيس على انتقاءها قبل ان يوجهها لاحزاب الاغلبية الحاكمة الجديدة.
اغلبية قال الرئيس انها «تتساءل» عما انجزه في مهمتة منذ تقلده لها، وعما انجزه الرئيس وقال أنه «احترم الدستور والنظام» واحترم المؤسسات والمقامات «رغم أن البعض لا يستحق مثل هذا الاحترام بل لا يستحق إلا الاحتقار والازدراء» وفق قوله.
هذه العبارات لم تتوقف بل مهدت لما هو اشد منها، فالرئيس الذي اعتبر ان الاغلبية (اغلبية التونسيين) قد وقع تزييف ارادتها ومحقها، والقصد هنا ما افرزته الانتخابات التشريعية من توجه عام، يلمح الرئيس انه عبر عن رفض الفساد واحزاب المال، التي يلمح الى انها تحالفت وسحقت ارادة الاغلبية وانحرفت بها.

لكن هذه الانحراف سيأتي يوم وينتهى زمنه، اذ ان القانون، اليوم او بعد امد بعيد، سيتناغم مع ارادة الاغلبية ويعبر عنها، وهنا الاشارة واضحة الى مشروعه السياسي القائم على الانتخاب المباشر وسحب الوكالة. وفي انتظار هذا تعهد الرئيس بانه لن «يتسامح مع الافتراء والكذب» او فتح «دار افتاء «في الدستور وحديث عن تركيبة جديدة للحكومة.
هذه العبارات الاخيرة تستهدف اساسا حركة النهضة ورئيسها والقصد منها ان الرئيس لن يسمح بتمرير قراءة للدستور تسمح بان يقع اجراء تحوير وزاري يشمل بعض الوزارات، وان هذه القراءة التي يتبناها حزبان من الائتلاف الحاكم الجديد، النهضة وقلب تونس، لن تمر على اعتبار ان الحزبين احدهما «يفتى» دون علم والاخر «احمق» يقدم الدروس.
هذان الحزبان يسائلهما الرئيس عما فعلاه في الاشهر والايام الماضية، والسؤال هنا إنكاري فالرجل يعلم ما فعلاه، اذ وفق قوله قاما بالمشاورات «بالليل وتحت جنح الظلام»، مشاورات قال انه يعلم «ما قيل فيها والصفقات التي تم إبرامت».
هنا قال الرئيس ان اليوم الذي يكشف فيه ما حدث خلال الاشهر القليلة الماضية سياتي وحينها سيكشف «الخيانات والاندساسات والغدر و الوعود الكاذبة والارتماء في أحضان الصهيونية والاستعمار»، لكن وفي انتظار ذلك اليوم وسم خصومه من احزاب سياسية وبالاساس احزاب الائتلاف الحاكم بالخيانة والارتماء في حضن الصهيونية والاستعمار. تهم وجهها الرئيس بكل ثقة، فهو العالم بخفايا الامور والعالم بما يحاك في الغرف.
عند هذه اللحظة تصبح النعوت والصفات السلبية التي وجهها الرئيس للاحزاب ثانوية وفرعية، فالرجل وبشكل صريح ومباشر المح الى ان احزابا في البرلمان «خائنة» وهي تعمل لصالح الاستعمار والصهيونية ضد الشعب.
هذا التوصيف ليس فقط ما أعلن من خلاله الرئيس انه اطلق حربه على الاحزاب الحاكمة بل تشديده في مناسبتين انه «اما حياة تسر الصديق واما ممات يغيض الاعداء» اي انه سيذهب الى الاخير في حربه التي بدأت امس بالكلام.
ولان خوض الحرب يفرض البحث عن حلفاء فقد طلب الرئيس وهو يتمنى للحكومة التوفيق ان تقف معه «جبهة واحدة في مواجهة الكثير من الخونة ومن أذيال الاستعمار الذين باعوا ضمائرهم ووطنهم...» دعوة لا يهم ان قبلت او رفضت فأيا كان الجواب يبدو ان حكومة المشيشي ستكون اول من يدفع ثمن الحرب.
حرب اولها الكلام وامس اعلن عنها بشكل صريح ومباشر لا يمكن للرئيس بعدها ان يتراجع، فهو وسم احزابا في البرلمان بالخيانة وتعهد بانه سيكون لها بالمرصاد ولا يبدو انه قادر على التراجع عن هذا الموقف او القول بانه وقع سوء فهمه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115