بعد امتناع النهضة عن التوقيع عليها على خلفية تصويت حركة الشعب ضدها في البرلمان، لتعلن بشكل نهائي عن نهاية التحالف الحكومي فهل يعنى ذلك نهاية الحكومة ؟
أعلنت يوم امس رئاسة الحكومة عن تأجيل موعد الامضاء على وثيقة التضامن والاستقرار الحكومي الى اجل غير مسمى تجنبا للاعلان الصريح عن «وأدها» بعد ان تعذر عليها في ثلاث مناسبات فرض الانضباط على الاحزاب ومكوناتها للحضور وختم الوثيقة.
وقد جاء الإعلان دون شرح للاسباب او توضيح لهذا التاجيل، لكن هذا لم يطل فالصراع الاعلامي بين حركة النهضة وحركة الشعب اجاب عن كل هذا الغموض وشرحه، ليعلن قادة النهضة انهم امتنعوا عن الامضاء ولم يطلبوا بالتاجيل.
هذا الإعلان كان القصد منه ان النهضة ترفض هذه الوثيقة لا لما تضمنته ولكن لعدم جدواها من وجهة نظرها خاصة وان هذه الوثيقة ليست إلا «حبرا على ورق» ولن تغيير من سلوكيات بعض مكونات الائتلاف الحاكم في علاقة بحركة النهضة.
سلوكيات المقصود منها تصويت حركة الشعب بنعم مع لائحة الدستوري الحر والامضاء على عريضة لسحب الثقة من راشد الغنوشي في رئاسة المجلس، وهو ما شبهه سامي الطريقي القيادي بالنهضة بـ«قصم ظهر البعير» و«بقطع شعرة معاوية» في ما يتعلق بالعلاقة بين النهضة والائتلاف الحكومي.
علاقة اتضح في جلسة الـ3 من جوان انها انهارت او بالاحرى ما تبقى منها صامدا خرّ بفعل النيران الصديقة التي وجهت في المجلس لحركة النهضة خاصة من قبل حركة الشعب بدرجة اولى وبدرجة اقل من قبل تحيا تونس، اذ جسدت الجلسة العامة يوم الاربعاء الفارط انقسام مكونات الائتلاف الحاكم الى فريقين.
فريق تمثله النهضة بمفردها مقابل حلفاء خصوم يتمثلون بالاساس في حركة الشعب وتحيا تونس وبدرجة اقل كتلة الاصلاح، ثلاثي صوت ضد النهضة والمح الى توجيه لائحة لسحب الثقة من رئيسها راشد الغنوشي في موقع رئاسة البرلمان.
جلسة اتضح فيها بشكل جلي ان الخلافات الايديولوجية بين النهضة والشعب اساسا ستكون -دائما- حجر عثرة امام توحيد الموقف صلب هذا الائتلاف الحكومي الذي اعلن امس عن نهايته، دون ان يعنى ذلك نهاية حكومة الفخفاخ، فالرجل كان ولازال ابرز من استفاد من جلسة الاربعاء وأن حكومته في مأمن من الاسقاط الا بمعجزة .
إذن تفكك عقد الائتلاف يعني ضمنيا ان الاغلبية التي منحته الثقة وهي القادرة على سحبها منه قد تفككت ولن يكون من السهل اعادة توفيرها ، كما ان حركة النهضة فقدت قدرتها على ادارة البرلمان بأغلبيتها البرلمانية التي تحققت لها في جلسة انتخاب الرئيس.
فهي وللمرة الثالثة عجزت عن توفير اكثر من ثلث اصوات المجلس لصالحها في ملفات وقضايا تعبر عنها، ويبدو انها ستظل عاجزة عن تحقيق هذا الشرط في المرحلة القادمة أي انها وان كانت نظريا الكتلة الاكبر والاكثر مرونة مما يجعلها تستطيع توفير اغلبية متحركة ، فانها ستكون عاجزة عن اسقاط الحكومة باعتبار ان لائحة سحب الثقة تستوجب عنصرين اساسيين اولهما تعيين رئيس حكومة مكلف جديد لخلافة السابق وهذا يعنى انها ستعيد تجربة الحبيب الجملي التي منيت بالفشل.
وستجد النهضة نفسها مجبرة على البحث عن تحالف جديد باتت تدرك انها لن تتمكن من الوصول اليه، خاصة وان حلفيها قلب تونس يعيش على وقع التهرئة ولن يكون قادرا على دعمها في مثل هذه المحاولات.
عجز النهضة وهي الاوفر حظا يعنى عجز بقية الكتل مما يعنى ان الفخفاخ سيعزز من تموقعه في المشهد الذي سيقوم على اعتبار الحكومة «امر محسوم» الى حين وانه من الافضل تجنب اسقاطها لتجنب دوامة من الفوضى السياسية في ظل ازمة اقتصادية واجتماعية زادتها الكورونا تعفنا.
بعبارة اخرى سيضطر الجميع اليوم على التعايش مع واقع سياسي كل من فيه متنافرون متناحرون ولكن في ظل توافق غير معلن عن «اعفاء» الحكومة من الانجراف الى الازمة لتجنب الاسوء، وهذا يمنح الفخفاخ هامشا للتحرك والمسك بزمام المبادرة السياسية.