كأنّ الرجلين يرغبان في تصفية الحسابات المتخلدة بالذمة وتحقيق مكاسب آجلة قبل رحيل احدهما عن المشهد ، لتنحرف العلاقة الى صدام شخصي يغفل كلا الرجلين عن ان له تداعيات على المؤسسات.
منذ 2018 اعلن الاتحاد العام التونسي للشغل عن نهاية ايام الود بينه وبين حكومة يوسف الشاهد وانه انتقل الى صف معارضيها بل بات اشدهم وأول من يحمل راية اسقاط الحكومة، هذه التفاصيل معلومة للجميع خلال السنتين الفارطتين التي شهدت تمددا للخلاف بين الاتحاد والحكومة.
لكن ومنذ الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2019 وصدور النتائج تغير الامر وانتقل الصراع الذي لبس ثوب الخلاف من طابع مؤسساتي ليصطبغ بالشخصي ، اذ انتقل نقد الاتحاد وأمينه العام من الحكومة ككل الى رئيسها وإفراده بالنقد وحصره فيه.
وضع استمر قبل ان يتأزم اكثر خلال الاسبوع الفارط الذي حمل معه اتهام الطبوبي للشاهد بأنه يعمل على تأبيد ازمة تكوين حكومة الفخفاخ لضمان استمراره في القصبة ، هذه كانت نقطة تحول الصراع بين الطرفين الى صراع بين شخصين نور الدين الطبوبي ويوسف الشاهد.
فأيام بعد اتهام الطبوبي اطل الشاهد في حوار على قناة حنبعل معلنا بدوره عن انخراطه في الصراع بشكل مباشر وعلني وشخصي بينه بين الامين العام نور الدين الطبوبي الذي اكد انه «وللأسف اصبح جزءا من الصراع السياسي في البلاد» وهذا الانتقال قال الشاهد انه استهل منذ وثيقة قرطاج 2 التي شهدت تحالف الطبوبي وحافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي السابق لحركة نداء تونس.
لم يقف الشاهد عن هذا الحد في اعلان صراعه المباشر مع الطبوبي بل اكد ان الاخير اختار ان يصطف مع مرشح للانتخابات الرئاسية في الدور الاول، والقصد عبد الكريم الزبيدي، وان هذا الاصطفاف لم يكن مقبولا من قيادات الاتحاد التي انتقدت ما قام به الطبوبي مستشهدا بموقف الاسعد اليعقوبي.
الشاهد وفي صراعه مع الطبوبي حرص على ان يكون الصراع شخصيا، فقد استثنى الرجل الاتحاد ومؤسساته وركز على ان نقده للطبوبي وليس للاتحاد، مشيرا الى ان الاشكال ليس مع المنظمة بل مع الامين العام الذي قال انه سبب تعفن العلاقة بين الحكومة وبين المنظمة.
هجوم الشاهد على الطبوبي لم ينته دون ضربة تحت الحزام، فالرجل اشار الى انه يأمل ان ينكب اهتمام الرجل على عقد مؤتمر ديمقراطي وليس العكس، قائلا ان كلامه موجه للنقابيين الذين يدركون مقصده.
هنا انهى الشاهد هجومه على الطبوبي الذي حركته الاعتبارات الذاتية والشخصية، مثله مثل الاخر، فكلاهما ينظر الى ان الصراع بينهما متعلق بشخصيهما، وان كلا منهما قادر على تصفية حسابات السنوات دون ان يكون لذلك تداعيات على العلاقة بين الحكومة والاتحاد.
فالحكومة في نظر الرجلين حسم امرها وستغادر في المستقبل المظور وهذا يسمح لرئيسها يوسف الشاهد بان يتخلى عن صمته وتحفظه ويرد الهجوم على الامين العام الذي بدوره ارتكب ذات الخطأ وهو التعامل مع المستقبل على انه محسوم لا فرضيات فيه.
كلاهما غفل عن ان الفخفاخ لم يصبح بعد رئيسا للحكومة اي ان الفرضيات وان كانت ضعيفة بفشله لاتزال قائمة، وهذا يعني ان الشاهد وحكومته يسيتمرون وسيكون لزاما عليهم التفاوض مع الاتحاد وقادته، وذات الامر بالنسبة للمنظمة التي غاب عن امينها العام ان كل الاحتمالات تظل واردة واولها بقاء الشاهد.
غياب الاخذ بكل الاحتمالات ووضعها في الحسبان دفع بالرجلين لشخصنة الصراع بينهما ونقله الى القطيعة وهذا يكشف عن وجود خلل في عقد التعامل بين المؤسسات في الدولة، سواء اجهزة الدولة في ما بينها او بينها وبين المنظمات والأحزاب والشركاء، خلل ادى لسقوط العرف والتقاليد في التعامل السياسي والمؤسساتي. عرف كان من الافضل صونه لان في ذلك حماية واحتراما للدولة واجهزتها ونأيا بها عن الحسابات والصراعات الشخصية التي طالما كانت فاتحة لجر الجميع الى الجحيم.
صراع شخصي قد يلقي بظلاله على المشهد القادم، وان كان في هذا الانحراف والخطأ نقاطا قد يسجلها الشاهد الذي يبدو وانه في خضم «تخميرة» الدفاع عن نفسه طبق استراتيجية صناعة العدو لهزيمة اخر، فهنا الرجل صنع لنفسه عدوا باسم الاتحاد ان تطورت الحرب بينهما ستؤدي في النهاية لكسب الشاهد لجزء من الشارع التونسي الغاضب من المنظمة.
ففي النهاية الشارع والقاعدة الانتخابية في تونس تتحرك بالعاطفة التي تقسمهم الى جماعات، بعضها يعادي النهضة فوجد الدستوري الحر وبعضها يعادي الاتحاد قد يجد تحيا تونس ورئيسه الشاهد كقبلة لهم.