وذلك في اول زيارة لرئيس اجنبي الى بلادنا منذ انتخاب قيس سعيد رئيسا للبلاد. وتأتي الزيارة في خضم مستجدات عسكرية وسياسية شديدة الأهمية وفي خضم الخطورة التي تعيشها الجارة الليبية في ظل التصعيد العسكري الحاصل في طرابلس بين خليفة حفتر وحكومة فايز السراج خاصة بعد توقيع مذكرة التفاهم التركية الليبية وما أثارته من جدل ومخاوف في الداخل الليبي وخارجه. ولئن تطرقت الزيارة الى العلاقات التونسية الليبية على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية حسب ما تم الاعلان عنه خلال المؤتمر الصحفي الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيد بنظيره التركي، الا ان الملف الليبي كان حاضرا بامتياز وأحد أهم عناوين هذه الزيارة التي لم يتم الاعلان عنها مسبقا من قبل رئاسة الجمهورية.
وخلال الندوة الصحفية اعرب الرئيس التركي عن ثقته بأن تكون لتونس إسهامات قيمّة وبناءة في جهود تحقيق الاستقرار بليبيا. وأوضح أردوغان أن التطورات السلبية في ليبيا لا تؤثر عليها فقط، بل أن دول الجوار وعلى رأسها تونس منزعجة جدًا من ذلك. وقال ايضا انه طلب مشاركة تونس والجزائر وقطر في مؤتمر برلين حول النزاع الليبي المزمع عقده في مطلع عام 2020.
وأضاف أردوغان، أنه طلب من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ومن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مشاركة قطر وتونس والجزائر في قمة برلين.
وقال «طالبت بمشاركة الدول الثلاث في القمة لدرايتها بالأوضاع الداخلية في ليبيا». وأكد ايضا دعمه لجهود حل الأزمة الليبية عبر مفاوضات داخلية بين الفرقاء الليبيين. اما بشأن الاتفاقية الموقعة بين انقرة وطرابلس فقد أوضح أردوغان أن دولتي تركيا وليبيا تملكان كامل الصلاحيات لاتخاذ القرارات بشأن الاتفاقية، دون أن يقدم المزيد من التفاصيل بشأنها. مؤكدا في السياق نفسه بان حكومة السراج شرعية وتحظى باجماع دولي في حين ان تواجد حفتر ليس شرعيا حسب قوله .
الاتفاق التركي الليبي لا يمسّ تونس
كما شملت المحادثات بين الرئيسين التعاون في القطاع الصحي والقطاع الفلاحي، حيث أعلن قيس سعيد عن تعهد الجانب التركي ببناء مستشفى للأطفال إلى جانب التعاون في مجالات أخرى.اما فيما يخص الملف الليبي فقد اكد رئيس الجمهورية، في المؤتمر الصحفي أن الاتفاق الموقع بين تركيا وليبيا والمتعلق بترسيم الحدود البحرية لا يمسّ تونس ولم يكن مطروحا في لقائه مع أردوغان. وهو اول موقف واضح من رئيس الدبلوماسية التونسية فيما يخص هذه الاتفاقية، خاصة ان تونس متاخمة لليبيا وتقتسم معها المياه الاقليمية والمنطقة الاقتصادية التي تمتد حسب القانون الدولي الى 20 ميلا بحريا . واذا تم تطبيق الاتفاقية سيجد التونسيون انفسهم في وضع مرتبك ومتداخل مع المياه الاقليمية الليبية ومع الليبيين كذلك. وهو ما يطرح نقاط استفهام حول الاتفاق التركي الليبي وتأثيره على تونس. في هذا السياق اعتبر استاذ العلوم السياسية ابراهيم الرفاعي في تصريح لـ«المغرب» ان تونس لم تكن جزءا من الصراع على اكتشافات الغاز في المتوسط فالمتصارعون هم بالأساس تركيا واليونان وقبرص و«اسرائيل» ومصر وحتى روسيا. وكل طرف يسعى أن تكون له حصته من الاكتشافات الغازية والنفطية استثمارا او يكون له دور في أمن الطاقة العالمي. اما تونس فحتى اللحظة لم تكن -وليست- جزءا من هذه الصراعات لكن أي صراع بين هذه الدول سينعكس على تونس لذلك يتوجب عليها ان تتعاطى مع ذلك بكل حذر لكي لا تصبح طرفا في أي صراع بين هذه القوى سواء العربية او الغربية المتصارعة».
الدور التركي
كما تطرح اليوم تساؤلات عديدة حول خلفية الزيارة واهدافها وعما اذا كانت مرتبطة بأي تصعيد عسكري تركي محتمل في الجوار الليبي او انها تمهد لتسوية قريبة خاصة وان الرئيس قيس سعيد كان قد استقبل على مدى الأسبوعين الماضيين رئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا فائز السراج وممثلين عن مجلس زعماء القبائل الليبية وعددا آخر من المسؤولين الليبيين في محاولة لايقاف أي نزيف قد يحصل في ليبيا او أي عملية عسكرية محتملة لا يمكن التكهن بنتائجها ويمكن ان تمسّ بصورة مباشرة بأمن تونس والمنطقة. في هذا السياق قالت المستشارة الاعلامية في رئاسة الجمهورية رشيدة النيفر في تصريح لـ«المغرب» ان زيارة الرئيس التركي هي زيارة عمل وليست زيارة دولة وتمت برمجتها في الساعات الأخيرة مشيرة الى ان الرئيس التركي لديه عدة محطات خارجية وأراد ان تكون تونس اول محطة له في هذه الجولة». وعن اهداف الزيارة في ما يتعلق بالأزمة الليبية تضيف :«بالنسبة للدبلوماسية التونسية فهي واضحة في هذا السياق وهي تسعى للتشاور مع بقية دول الجوار المعنية بالملف الليبي باعتبار ان هذا الملف هام ونحن نريد ان نكسب دعم أكبر عدد ممكن من الدول لهذه المبادرة التونسية. وهذا لا يعني ان زيارة اردوغان كانت لهذا الهدف بالذات -أي دعم المبادرة التونسية- ولكننا منفتحون دائما على دول الجوار وموقف تونس يؤكد ان أي حل سياسي وسلمي للأزمة الليبية لا يمكن إلا أن يكون ليبيا - ليبيا خاصة وان رؤساء القبائل فوضوا رئيس الجمهورية قيس سعيد لجمع كل الأطراف حول مبادرة السلام. وتضيف بالقول :«فوفد القبائل والمجتمع المدني الليبي يمثل مختلف المناطق الليبية، والمعلوم ان القبائل هم جزء هام من المجتمع المدني الليبي ولهم دور كبير في الازمة الليبية و أتوا الى تونس لأنها تعتبر ان تونس ارض حوار وتدعو لحل سلمي. كما ان استقبال رئيس الجمهورية لجميع الفرقاء الليبيين يأتي في اطار محاولة الوصول الى حل لأننا لا نريد الوصول الى سفك الدماء».
اما عن المخاوف من أي تصعيد عسكري تركي قالت:«تونس تسعى لإيقاف الحرب الدائرة وارادة رئيس تونس واضحة تتعلق بوقف الحرب.»
مبادرة تونس للسلام
من جانبه اكد الناشط السياسي الليبي خالد الغويل لـ«المغرب» ان ما يعنينا كليبيين في زيارة اردوغان الى تونس ما يمسّ الملف الليبي. ونحن قد اعلنا عن رفضنا للاتفاقية المبرمة بين تركيا وليبيا خاصة انها تمسّ دول الجوار وانه لا يمكن لاي اتفاق دولي ان يبرم الا في ظل حكومة ليبية رسمية وطنية وبرلمان منتخب. واشار الغويل الى ان لقاء الوفد الممثل عن المجتمع المدني الليي والقبائل الليبية بالرئيس قيس سعيد يأتي في اطار وضع مبادرة حقيقية للسلام والعمل على ايجاد صيغة توافقية للخروج من الأزمة الخانقة. مشيرا الى انه تم خلال اللقاء الاتفاق على أربع نقاط جوهرية تقوم بالأساس على تفويض الرئيس التونسي من أجل رعايته لحلّ شامل للخلاف الليبي ودعوة كلّ الليبيين للجلوس إلى مائدة الحوار بهدف التوصل إلى صيغة توافقية للخروج من الأزمة الليبية الراهنة في إطار الاتفاق السياسي الليبي واحترام الشرعية الدولية، وذلك بالانتقال من هذه الشرعية إلى الشرعية الليبية التي ترتكز على مشروعية شعبية.
كما تنص المبادرة على العمل من أجل الإعداد لمؤتمر ليبي تأسيسي يضمّ كلّ مكوّنات الطّيف السياسي والاجتماعي واعتماد قانون مصالحة وطنيّة شاملة وتنظيم انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة ومحليّة حرّة ونزيهة.
وشدد الغويل على رفض كافة أشكال التدخل في الشأن الليبي مهما كان نوعها. وقال ان إنهاء التدخلات الخارجية هو الذي سيدفع الى التقارب أكثر لان التدخل الخارجي يخلق التوتر والفرقة . وقال ان لقاء المشايخ وممثلي المجتمع المدني مع رئيس الجمهورية قيس سعيد جاء بالأساس لحقن الدماء ولم الشمل وليس للتدخل في الشأن الداخلي الليبي وهذا ما اكدنا عليه. واضاف: «نحن نأمل خيرا في رئيس الجمهورية قيس سعيد لذلك توجهنا اليه إضافة الى ان تونس دولة جارة ولها أهمية كبيرة مع ليبيا، فاستقرار ليبيا من استقرار تونس وامن ليبيا من أمن تونس».
مخاوف من التصعيد العسكري؟
يشار الى ان انه جرت طوال الأيام الماضية عدة محادثات بين الاطراف المؤثرة في الملف الليبي خاصة روسيا وليبيا . فقد اجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مكالمة مع نظيره التركي اردوغان تناولت تطورات الازمة الليبية على ضوء توقيع مذكرتي التفاهم التركي الليبية واستعداد انقرة لإرسال عسكريين الى طرابلس فيما لو طلبت الوفاق ذلك.واكد بوتين خلالها لنظيره التركي على ضرورة العمل لوقف الحرب والعودة الى طاولة الحوار كما اتفق الطرفان على اجراء لقاء مباشر في الشهر القادم.
فليبيا اليوم تشهد تصعيدا غير مسبوق بعد هجوم حفتر على طرابلس وتعهد تركيا بإرسال عسكريين الى ليبيا اذا طلبت حكومة فايز السراج ذلك في خطوة اثارت هواجس ومخاوف الأطراف المؤثرة من الدور التركي المتزايد في بلد عمر المختار خاصة ان أي تصعيد عسكري سيكون بمثابة حرب اقليمية جديدة . فالمعلوم ان انقرة اليوم تحاول ان تجد موطئ قدم لها في الجوار الليبي وان تبسط نفوذها -ليس فقط السياسي- بل -العسكري ايضا- من خلال التواجد مباشرة في ارض الميدان. وهي تسعى جاهدة إلى أن تجد لهذا التواجد «مشروعية دولية» من خلال اللجوء الى الامم المتحدة لشرعنة الاتفاقية الموقعة بين انقرة وطرابلس وذلك رغم رفض عديد الأطراف سواء في الداخل الليبي او خارجه لهذا الاتفاق ولأي تواجد عسكري تركي. ولا احد يمكنه توقع مآل استراتيجية تركيا في ليبيا خاصة وان البعض يرون ان اردوغان يحاول ارجاع حلم الامبراطورية العثمانية من البوابة السورية اولا ثم من خلال البوابة الليبية».
لذلك فإن أية عملية عسكرية او تدخل عسكري تركي مباشر في ليبيا سيعني حتما توسيع دائرة الصراع وانفجار البركان الليبي .