من غموض الرجل و من محيطه، مخاوف ظل سعيد صامتا لا يجيب عنها الي بداية الأسبوع الجاري، ليختار الرد بطريقته على الهواجس المتعلقة بما قد يأتيه إذا أصبح رئيسا.
يوم الأربعاء الفارط نشرت مجموعة صور وفيديو في شبكة التواصل الاجتماعي الفايسبوك، لفتت الانتباه اليها كخبر، كغيره من اخبار الحملة الانتخابية، وقع بعدها نشر خبرين بالاستناد لهذه الصور والفيديو ، اولها لقاء بين الامين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي بالمترشح للدور الثاني من الاستحقاق الرئاسي قيس سعيد، والثاني لقاء بين سعيد ووفد من بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات.
الخبران بطلهما واحد وهو قيس سعيد، ونشر الاتحاد العام التونسي للشغل في صفحته الرسمية على فايسبوك يوم الأربعاء الفارط فيديو مقتطفا من اللقاء الذي جمع بين أمينه العام وقيس سعيد الذي استمع بانتباه الى كلمات الطبوبي في اللقاء الذي حصل يوم الثلاثاء السابق.
مقتطف نشر ليكشف عن مضمون كلمات تبادلها سعيد والطبوبي جاء فيها تأكيد مشترك بينهما على «أهمية دعم التجربة الديمقراطية وخاصة دولة القانون» كما وقعت الاشارة الى أن الاتحاد «لا يمكن إلا أن يكون سوى قوة اقتراح وقوة تفاعل مع كل المواقف الايجابية التي تخدم مصلحة انسانية الانسان» وفق قول الطبوبي الذي شدد على أن للحرية ضوابط «في الحرية والديمقراطية يجب أن تفهم الحقوق التي ستأخذك حتما الى واجباتك» ويقدم فهمه للديمقراطية التي يقول عنها «يجب فهم الديمقراطية كآلية من آليات تطور الشعوب في مفهومها الايجابي..لا فهمها على أنها تسيب...وما بيننا هو تكريس مجتمع القانون..وتكريس ثقافة مجتمعية حقيقية تبنى على روح الصدق».
كلمات تلقفها سعيد الذي تحدث بالدارجة التونسية ليعبّر لمخاطبه ان الحرية يجب أن تكون في اطار القانون، معبرا عن سعادته بلقاء الطبوبي قائلا «في بداية الحديث عندما كنت تتحدث فكأنك كنت تتحدث مكاني».
هذا الخبر الاول الذي رافقته صورة سعيد مع الامين العام، اما الثاني فهو اعلان بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات أن وفدا منها برئاسة نائبة رئيس البعثة ماري فيوليت سيزار استُقبل يوم الاربعاء من قبل المترشح للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية قيس سعيد. وان اللقاء الذي جمع بينهم استعرض المسار الانتخابي، وما لم يقل عن اللقاء انه كان يهدف إلى معرفة الرجل بالنسبة للاتحاد الاوروبي، اما بالنسبة لسعيد فهو تهدئة لمخاوف الاوروبين بانه ليس رديكاليا ولا رافضا للشراكة بين الضفتين .
خبران مرا دون إثارة الانتباه لتغير جد مهم في المشهد، يتمثل في الخطوات التي قطعها المترشح قيس سعيد تجاه المتخوفين من صعوده، خطوة يبدو ان الرجل يكشف بها انه مدرك للفروق بين ان يكون أستاذا للقانون مترشحا لمنصب الرئيس وبين ان يكون «الرئيس»، والفرق بينهما هو هامش الحركة والقدرة على الفعل دون الانتباه إلي الاكراهات والى التفاعل مع باقي الشركاء والفاعلين.
خطوة كشفت ان سعيد انتبه الى ان الصورة التي رافقته مثل مرافقة الشباب له تخيف اللاعبيين الاساسيين في المشهد التونسي، وهنا لا تقتصر صفة اللاعب على الأحزاب بل تشمل منظمات وطنية وقوى إقليمية على غرار الاتحاد الأوروبي، والتي التقى بها كلا على حده.
لقاءات لا يبدو انها اقتصرت على ما اعلن عنه رسميا، فالاتحاد كشف انه نبه سعيد من خطر المحطين به، بل وابلغه بشكل غير مباشر بان هناك فروقا شاسعة بين ان تكون مترشحا وان تكون رئيسا ، واهمية المحيطين به وانعكاسهم على صورته ومدى تقبل الاخريين له.
انعكاس لا يراد منه نزع الرجل من محيطه بقدر التنبيه الي ان محيط الرئيس يمثله وان النظر الى الدولة من خارجها مختلف عما هو عليه عند الاطلاع على كل الملفات والحقائق التي يجب ان تكون متوفرة للرئيس من قبل مستشاريه والمحطين به.
في كلا اللقاءين كشف قيس سعيد عن انه وان بشكل غير واع قطع خطوات في اتجاه ان يصبح مرشح الثورة والدولة، اي ان يكون مرشحا توافقيا يمثل بديلا قادرا على الاصلاح دون السقوط في الطوباوية والطهروية التي تعانق الشعارات وتغيب عنها الحقائق.
خطوات يبدو ان سعيد لن يقتصر عليها لتقديم صورة واضحة له لناخبيه ومعارضيه وبالاساس لباقي اللاعبين من منظمات وطنية وشركاء استراتجيين لتونس.