منبر: تعقيبا على افتتاحية الأستاذ زياد كريشان جماعة «الفساد» وجيل «الغنيمة» أخطر على النداء من «التوريث الديمقراطي»

خالد شوكات
قرأت بإمعان افتتاحية الاستاذ زياد كريشان المنشورة في المغرب الغراء يوم الخميس 11 افريل بعنوان «النداء ما بعد الباجي قائد السبسي؟!»، التي

تناول فيها بالتحليل والاستنتاج مخرجات مؤتمر حركة نداء تونس المنعقد بين المنستير وتونس خلال الفترة من 6 إلى 9 أفريل 2019، وخلص من خلالها كما فهمت إلى ان النداء قد طوى نهائيا ما اسماه بـ«التوريث الديمقراطي» لكراهية أغلبية الندائيين والتونسيين لهذا الأمر.
ولأنني اعتبر ان الصديق سي زياد احد اهم المتخصصين في الشأن الندائي والمتابعين بدقة له، فانني التمس رحابة صدره في انارة الرأي العام بنشر هذا المقال التفاعلي، والذي اخترت ان ابنيه من باب تسهيل الامر على القرّاء الاعزاء في شكل نقاط متتابعة كما يلي:
1 - ان مؤتمر «الاصلاح والالتزام» كان في رايي ورأي كثير من القيادات التي ساهمت الى جانب الاستاذ الباجي قائد السبسي خلال مرحلة ما قبل انتخابات 2014، شكّل اخر فرصة لتصحيح المسار الحزبي وإيجاد حل لمشكل القيادة المزمن الذي برز بعد رحيل الرئيس المؤسس الباجي قائد السبسي أوائل سنة 2015، حيث كنّا نأمل ان تضم «حكومة الحزب/الهيئة السياسية» خيرة الكفاءات الندائية، لكن فلتلاحظ معي، وإذا ما أزلت بعض الشيء نقطة «حافظ»، فإن ذات «القيادة الرديئة» التي ظهرت فجأة في مؤتمر سوسة سنة 2016، والتي تشكل ما عرف بـ«جماعة شفيق» ( اي مجموعة النواب المتهمين من قبل القطب القضائي المالي بالرشوة والفساد) عمودها الفقري، هي نفسها التي بسطت نفوذها من خلال ما اسماه الصديق ناجي جلول بـ«الغورة» على مخرجات مؤتمر 2019، وعادت بذات الأسماء، بل ألحقت الى قائمة العضوية بقية المجموعة المتهمة، وبالتالي فان امل التصحيح بتقديم محدد «الكفاءة» على محدد «الغنيمة» قد تبخر وذهب في خبر كان مثلما يقول المثل العربي.
2 - على امتداد تاريخنا العربي الاسلامي، ومنذ الاسلام المبكر، وتحديدا منذ سقيفة بني ساعدة، وانت احد العارفين بهذا الشأن كما اعلم، لطالما طرح سؤال «الأحق بولاية الشأن العام»، ولعل احدى مصائب الأمة واحد أسباب قصورها وتخلفها، تأخير الافضل والأكفأ وتقديم «العرجاء والنطيحة وما اكل السبع»، وانني لأدعوك وأدعو معك جميع الصحفيين والاعلاميين الى اجراء بحث في السير الذاتية لهؤلاء الذين قدّموا «في غفلة من أعضاء اللجنة المركزية» لتولي المسؤولية الندائية الاولى، وانا على يقين من ان الباحث لن يجد سوى ما يفزعه ويخيفه على مستقبل تونس ومستقبل مشروعها الديمقراطي، فهؤلاء الجماعة هم أبناء من أسميتهم في مقال سابق تفضلت «المغرب» بنشره، بجيل الانهيار الاخير للتجمع الدستوري الديمقراطي، ممن لم يقرأوا كتابا في حياتهم ولم يعرفوا من العمل السياسي غير «تكمبين الشُعَبْ (جمع شعبة)»، ولا تعني العملية السياسية لغالبيتهم سوى غُنْمُ ما أمكن من مناصب الدولة وامتيازاتها، وهم تماما كما قال العلامة المقريزي «عملة سيئة تطرد عملة حسنة»، وليس من عدو لهم يستحق الاقصاء سوى صاحب الكفاءة والنزاهة والمروءة، خطر هؤلاء يتجاوز لو يعلم الناس حدود النداء الى تونس وديمقراطيتها الناشئة.
3 - ان ترتيب الاولويات وفرز الأهم من المهم على نحو ما جاء على لسان الرئيس المؤسس في افتتاح، هو من ضرورات السياسة، والسياسة لا تسعفك دائما بالاختيار بين الحسن والسيء، إنما قد تجبرك في كثير من الأحيان على الاختيار بين الضرر الاخف والضرر الأكبر، فان التزمنا هذه القاعدة المنطقية في تحليل المسألة الندائية، وأجبرنا على الاختيار بين «التوريث الديمقراطي» و»جماعة الفساد والعمولات والرشوة»، فإنني ارى التوريث الديمقراطي اهون الامرين بكثير واخفهما ضررا. والتوريث الديمقراطي ظاهرة موجودة على اي حال في اعرق الديمقراطيات وقد اشتهرت عديد البلدان بعائلاتها السياسية، ففي امريكا والهند ولبنان وبلجيكا وبنغلاديش وباكستان وغيرها حيث تعاقب الأبناء والأحفاد على رئاسة الأحزاب التي بناها الاجداد، وما دامت العملية الانتخابية العامة شفافة ونزيهة تمكن الشعب من قول كلمته فانه لن يكون في هذا الشأن ما يهدد حقا المصالح العامة، اما ما يهدد هذه المصالح فعلا ويسحقها سحقاً فهو «الفساد» واهله ممن يتسربون الى الجسم العام كالخلايا السرطانية، لا يكفون حتى يحيلوه الى النعش، ولطالما نبّهت من تحول ديمقراطيتنا الناشئة الى ديمقراطية مخترقة، عندما تتسلل المافيات الى مؤسسات الحكم عبر منافذ متعددة من أهمها الأحزاب السياسية.
4 - واخيرا: فان الاخلالات الشكلية التي شابت مختلف مراحل المؤتمر الندائي، من الضخامة والخطورة والجسامة على نحو يسحب الشرعية ليس فقط عن الهيئة السياسية المعلنة بل عن اللجنة المركزية نفسها التي انا احد أعضائها، واضرب هنا مثلا بسيطا على ما جرى في اخر محطة وهي التوافق على تركيبة المكتب السياسي، فأنا شخصيا لم أتلق اية دعوة لحضور اجتماع التوافق او المصادقة باعتباري عضوا منتخبا في اللجنة المركزية، ناهيك عن المخالفات الصارخة للمنشور الانتخابي حيث لا يستجيب قرابة سبعين بالمائة ممن جرى اختيارهم للهيئة السياسية للشروط الواردة في هذا المنشور، سواء تعلق الامر بمدة العضوية (ست سنوات متتابعة) او بمدة شغل الوظيفة القيادية (اربع سنوات متتالية)، حيث عين اشخاص لتوهم التحقوا بالنداء، ناهيك عن اخرين يفترض انهم في عداد المطرودين من الحزب بالنظر الى تمسكهم خلافا للقرار الحزبي بعضويتهم في الحكومة، هذا الى جانب غموض آجال الترشح والتقدم بالطعون والجمع بين عضوية لجنة الاعداد والترشح للمناصب القيادية. وخلاصة القول هنا ان ما جرى في قمرت هو جريمة حزبية وديمقراطية نكراء من الطراز الأعلى وعملية اختطاف لحركة نداء تونس من «جماعة تجمّعية متهمة بالفساد» خططت للقضاء على اهم خصائص النداء «تعدد الروافد» و«المساهمة في بناء الديمقراطية الناشئة»، ولئن كتب لهذه الجماعة النجاح، فان نجاحها هذا سيغرس اسفيناً اخر في جسد النظام الديمقراطي المرهق أصلا. لقد كان هؤلاء القوم وراء إسقاط حكومة الحبيب الصيد منتصف 2016، ولن يهنأوا حتى يسقطوا الديمقراطية التي لم يغفروا للثورة انها قد أتت بها في غفلة من امرهم.
عليَّ ان أشير ختاما الى انني اثق بالكثير من الدساترة ممن رأوْا في ثورة الحرية والكرامة فرصة للعائلة الدستورية حتى تعيد بناء نفسها وتساهم في اعمار تونس الديمقراطية الجديدة، اما هذه الجماعة فهي تجمعية خالصة لا صلة لها بالجذر الدستوري ومرجعية الحركة الوطنية الاصلاحية، فالإصلاح يتنافى مع الانخراط في منظومة الفساد، والفساد هو عدو تونس الاول اليوم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115