المقاهي والمدارس الخاصة تجتاح الأحياء السكنية: متى تنتفض البلديات ضد «كراس الشروط»؟

بقلم : عبد المجيد المسلمي
( الجبهة الشعبية)
عندما تتجول في الأحياء السكنية في أغلب المدن الكبرى تلاحظ

أن أغلب الأنهج في الأحياء السكنية أصبحت تعج بالمحلات التجارية. فهذا حول الطابق الأرضي لمنزله إلى مقهى واستولى على الرصيف و هذا حول شقته إلى قاعة رياضية والأخر حول مأوى سيارة إلى مطعم للأكلة الخفيفة أو لشواء الدجاج. أما عن المدارس الخاصة بمختلف مستوياتها فحدث ولا حرج. وفي أغلب الأحيان تتحول المنازل و الشقق في الأحياء السكنية إلى مؤسسات تعليمية خاصة نظرا لما تدره من أرباح هامة مقابل مصاريف قليلة.

لقد أحدث هذا الوضع حالة من الفوضى في الأحياء السكنية التي تحولت إلى فضاءات تجارية مفتوحة وأصبح المتساكنون ضحية للتلوث بالضجيج حتى ساعة متأخرة من الليل وللاختناق المروري مع ما يسببه من تلوث وإزعاج في ظل عجز تام للبلديات عن إيقاف هذه الفوضى.
« كراس الشروط» للأنشطة التجارية هو المسؤول اللعين عن الفوضى.

عندما تسأل المسؤولين البلديين عن سبب هذه الفوضى الهدامة التي أصبحت عليها الأحياء السكنية لا يترددون في القول بأنها ناتجة على التوجهات التي اتخذت في العهد السابق. حيث تم تهميش دور البلدية وأصبحت النشاطات التجارية لا تخضع للترخيص من طرف المصالح البلدية وإنما تخضع لكراس شروط يتعلق بمواصفات فنية للمبنى دون الرجوع إلى مثال التهيئة العمرانية أو ترخيص البناء ودون استشارة المصالح البلدية. كان الهدف المعلن من «كراس الشروط» هو تبسيط الإجراءات وحفز المبادرة الخاصة والاستثمار. ولكن و في الحقيقة فإنه فتح المجال لمهن هامشية أصبحت نقمة على السكان و أفسدت الحالة العمرانية للمدن. هكذا أصبح بإمكان أي شخص أن يفتح محلا تجاريا أين يريد وكيف يريد بمجرد المصادقة على كراس الشروط دون الرجوع إلى المصالح البلدية. و إذ نعلم ما يحيط بالمصادقة على كراس الشروط من استخفاف ورشوة ومحسوبية فإننا نتبين أسباب الكوارث العمرانية التي أصبحت عليها المدن والأحياء السكنية التي تحولت إلى فضاءات تجارية مفتوحة.

وزير البيئة و الشؤون المحلية : بطل ضد البلاستيك ضعيف أمام الناموس
عندما سئل وزير البيئة و الشؤون المحلية عن مقاومة الناموس أجاب بأن وزارته ليس لديها الآليات الضرورية لذلك. و الحقيقة أن رأيه فيه بعض الوجاهة لأن الوزارة لا يتمثل دورها بالضرورة في التدخل اليومي لمقاومة الحشرات و غيرها من المهام اليومية وإنما في رسم الإستراتيجيات و صياغة التشريعات حتى تتمكن البلديات من أداء دورها في أحسن الظروف. ولكن وفي هذا المجال بالذات فإن الطاقم المسير للوزارة فاشل على طول الخط. فالوزير ومساعدوه ربما غير عابئين أو غير مطلعين على الشأن البلدي حتى يستوعبوا أن تهميش البلديات وإقصاءهم من دائرة القرار فيما يخص الأنشطة التجارية يتسبب كل يوم في كوارث على الحالة العمرانية للمدن. هكذا تجد البلديات نفسها تتحمل مسؤولية محلات تجارية في مناطق سلطتها المحلية والحال أنها لم تشارك أصلا في إعطائها تراخيص في تلك الأنشطة. فالإدارات الجهوية للرياضة والتجارة والتربية..تعطي التراخيص والبلدية تتحمل تبعاتها من نظافة وتنوير وأرصفة وطرقات وغيرها من الخدمات.
ليست هذه المعضلة الإستراتيجية الوحيدة التي لا تعبأ بها وزارة الشؤون المحلية ولا توليها اهتماما. فالبلديات تشكو من غياب جهاز تنفيدي قادر على تنفيذ قراراتها بعدما أصبحت الشرطة البلدية تحت سلطة وزارة الداخلية وتشكو من غياب جهاز رقابة متمثل في التراتيب البلدية وتشكو من ضعف الترسانة التي تمكنها من التصدي بصورة حازمة للانتصاب الفوضوي والبناء العشوائي وخاصة التقسيم العشوائي للأراضي lotissement illégal والذي يمثل خطرا كبيرا على المدن.
ولكن الرأي العام قد يلتمس عذرا للوزارة والحال أنها منهمكة في «غزوة» البلاستيك. ويبدو حسب المؤشرات أنها لن تكون إلا مجرد ضربة سيف في الماء.

استعادة سلطة البلديات على تراخيص الأنشطة التجارية
بعد سنوات الفوضى والضياع التي سادت المدن ومع تحول البلديات إلى سلطة محلية أصبح من الضروري أن تستعيد البلديات كامل سلطتها على التراخيص المسلمة لجميع الأنشطة بما يلائم رخص البناء المسلمة وأمثلة التهيئة العمرانية وتوجهات المجلس البلدي في تنظيم المدينة. فلا يعقل أن تصبح كل أنهج المدينة فضاءا تجاريا مفتوحا. فكما توجد المناطق الصناعية والمناطق الفلاحية فمن الضروري تخصيص فضاءات معينة للنشاط الإداري والنشاط التجاري ومراكز الأعمال.

من المفروض على وزارة الشؤون المحلية أن تنقح التشريعات الحالية وتشترط على طالبي الانتصاب للأنشطة التجارية الالتزام برخصة البناء وكراس الشروط وصلوحية المحل وأن تصبح المصالح البلدية هي المخول لإعطاء مثل هذه التراخيص.
ولكن يبدو أن لا أمل مع هذه الوزارة خاصة ومع هذه الحكومة عامة والتي أصبحت آلة بيروقراطية محافظة تخاف التغيير والإصلاح ( الذي بالضرورة يثير ضدها القلاقل) والحال أنها لا تفكر إلا في البقاء في السلطة أكثر ما أمكن.
وتعود المسؤولية للمجالس البلدية المنتخبة والمجتمع المدني والمواطنين حتى تنتفض ضد هذه الأوضاع وتسترجع الدور الأساسي للبلدية في الترخيص للأنشطة التي تتم في مناطق سلطتها وتحت مسؤوليتها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115