وجد بعض قدماء الحزب منفذا للعودة بأشكال مختلفة، وكل منهم يتحرك من قراءة للمشهد يلتقي فيها الشخصي بالموضوعي، والكل يمني نفسه بتحقيق مكاسب تختلف باختلاف الأفراد.
يبدو ان إعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد الحرب على المدير التنفيذي لنداء تونس حافظ قائد السبسي مثل لعدد من الوجوه القديمة في الحركة الفائزة بانتخابات 2014، حدثا استثنائيا يفتح لهم أبواب العودة للمشهد السياسي العام والحزبي خاصة. حيث منحتهم الحرب بين الرجلين قدرة على التحرك والمناورة.
ثلاثة التقطوا هذه اللحظة وعملوا على توظيفها لتحقيق عودة من أبواب مختلفة للنداء، رضا بلحاج عضو الهيئة السياسية المستقيل من الحزب، ناجي جلول القيادي بالهيئة السياسية المتواري عن الساحة، وثالثا محسن مرزوق آخر امين عام للحركة قبل استقالته منها في 2015.
هذا الثلاثي ومنذ منذ بداية الأزمة بين الشاهد وقائد السبسي الابن، انطلق في تحركاته وأبرزها اللقاء برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بطلب منهم، لقاءات ظلت التخمينات والتسريبات تقدم جزءا مما قاله الثلاثي للرئيس الى ان بادر كل منهم بالتحرك لتتضح بعض من ملامح الصورة قليلا.
بالحاج عودة بعد سنتين
اولى التحركات كانت من رضا بلحاج، منسق حركة تونس اولا، الذي اعلن في تصريحات صحفية منذ ايام عن انطلاق مشاورات بينه وبين القيادات الحالية للنداء بهدف عودته الى الحركة، وهو ما قام به الرجل في الساعات الماضية اثر استقالته من حركته التي أسسها، تونس اولا، وإعلانه عن عودته لنداء تونس الذي اقترن بالتأكيد على انه طرح على الهيئة التأسيسية لتونس اولا عودة جماعية للنداء، لكن بعضا من أفرادها جابهوا طلبه بالرفض لاعتبارهم ان العودة مغامرة غير محسوبة العواقب.
عودة يقول بلحاج، الذي استقال من الحركة منذ حوالي السنتين، أن شروطها توفرت، من ذلك ان المصلحة تقتضي توحيد الندائيين في ظل الوضع الراهن، ولكن هذا يكون على اساس هيكلة جديدة، والرغبة بالقيام بها متوفرة اليوم في نداء تونس، من ذلك وجود مشاورات لإعادة هيكلة الحزب تتضمن عدم تزعم حافظ قائد السبسي له.
جلول وطموح قيادة النداء
العائد الثاني لحظيرة الحزب، هو ناجي جلول، بعد ان خير منذ مغادرته لحكومة الشاهد الابتعاد عن البحيرة التي لامها على انقلابها عليه وعدم دفاعها عنه، حيث تضمن تسجيل صوتي مسرب لاجتماع قادة نداء تونس في 2مارس 2017 إشارة واضحة لغضب ندائي من جلول وقبولا بخروجه من الحكومة بعد ان انتقد سابقا نتائج مؤتمر سوسة2016.
جلول الذي تنكر له قادة النداء وابتعد لأكثر من سنة ونيف عن الحديث باسم الحزب او تقديم نفسه على انه قيادي منه، عاد خلال الساعات الفارطة للتحرك ليعلن في حوارات صحفية أن الأزمة في الحزب وقع اختزالها في صراع بين «الحافظيين الجدد» و«اليوسفيين الجدد» والحال أن الأزمة بعيدة عن هذا الاختزال وان الأزمة هي أزمة حكومة أولا.
جلول لم يخف نقده المباشر للشاهد الذي اعتبر انه مهندس «مؤتمر سوسة الكارثي» الذي منح سلطة إدارة الحزب لحافظ قائد السبسي، كما أن مغادرة المنصب ليست نهاية الدنيا مشددا على ان دور السياسيين خدمة الدولة وليس «الخدمة بها» ليشدد ان الأزمة في تونس اليوم أزمة أخلاقيات في العمل السياسي.
ناجي جلول وان تجنب أن يضع نفسه في صف المدير التنفيذي بشكل واضح فقد قدم مؤشرات وتلميحات بذلك، فالرجل تجنب تحميل مسؤولية الأزمة للمدير التنفيذي مع سحب البساط من تحت أقدام رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ليقدم نفسه على انه رجل التوافق في الحزب الذي قد يكون المنطقة الرمادية التي يلتقي عندها شقي الصراع في الحزب.
محسن مرزوق التحالف وليس الاندماج
العائد الثالث هو محسن مرزوق، وان كانت عودته من بوابة القبول بعقد تحالف يضم نداء تونس، ليشدد في تصريح صحفي ان «حركة مشروع تونس منفتحة على جميع التيارات صلب حركة نداء تونس، بغاية تكوين تحالف مع هذا الحزب وليس الاندماج صلبه».
هذه الدعوة شدد مرزوق أن حزبه أطلقها منذ أكثر من سنة، وشرع في مشاورات لبناء تحالف يجمع القوى الديمقراطية، مثلما شدد على ان هناك إجماع بين مختلف الأطراف على فشل الحكومة، وان كان ضد اختزال الازمة في صراع بين حافظ قايد السبسي ويوسف الشاهد، بل هو خلاف حول تغيير كلي أو جزئي للحكومة ، قصد النأي بها عن الصراعات والتجاذبات السياسية قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. كما إعتبر من جهة أخرى، أن الحملة التي وصفها ب «المنظمة» ضد رئيس الجمهورية، لا تفيد إلا حركة النهضة ورئيسها، ولا تزيد إلا في تعميق حالة اللاتوازن السياسي في البلاد.
هذه الخطوات التي قطعها الثلاثي لا تلتقي الا في نقطة او اثنتين، فما يحرك كل منهم مختلف عن الاخر، فان كان الاول وهو رضا بلحاج يتحرك في اتجاه النداء بحكم عدة معطيات اولها تعثر حزبه في الانتخابات البلدية التي كانت اعلان عن فشل تونس اولا في سد فراغ، ثانيها ادرك الرجل ان قائد السبسي الابن في حالة تراجع قد تجعله يقبل بتقاسم القيادة مع القدماء مقابل اضفاء شرعية على بقائه في صراعه مع الشاهد.
هواجس بلحاج تختلف عن هواجس ناجي جلول الذي اغتنم الوقت المثالي لاعلان عودته للحزب من بوابة كبرى، وهي صفة خيار الاوسط الذي قد يقبل به الخصوم في الحركة كزعيم لها، فناجي جلول يدرك ان عودته للحركة في ظل صراع محتدم بين شقوقها يمنح افضلية للتفاوض مع شق نجل الرئيس تمكنه من لعب ادوار متقدمة في المشهد تمهيدا لحلول موعد الاستحقاق الانتخابي، كما انه يبحث عن احياء دعوات سابقة من قبل انصاره في الحزب بان يكون هو الرجل الاول كخطوة اولى ليقدم كمرشح مفترض للرئاسية استنادا الى شعبيته.
الرهانات تختلف لدى محسن مرزوق الذي خير ان تكون عودته للحزب من بوابة التحالف، فالرجل يدرك ان هامش الحركة لديه اوسع من سابقيه، فهو امين عام حزب له كتلة برلمانية تقدر بـ20 نائبا، وحزبه شارك في البلديات وله حوالي 120 مستشارا، لهذا فهو يسعى الى ان يعقد تحالفات عوضا عن الدمج ويبحث عن ان يستفيد من هذا في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، لتجنب هزيمة انتخابية او نتائج ضعيفة قد تكون بداية اندثار الحزب الذي اسس ليكون القوة الثالثة.
رهانات المدير التنفيذي
مقابل رهانات العائدين يراهن شق نجل الرئيس على تحقيق نقاط على حساب الشق الاخر، فالمدير التنفيذي لنداء تونس يريد ان يجمع خلفه ابرز وجوه المنشقين، خاصة المؤسسين، ليحصن «شرعيته» وأحقيته بان يكون في قيادة الحزب، كما انه يريد أن يواجه تحركات خصمه الشاهد عبر ضرب روايته لأسباب الأزمة.
من جانب آخر يريد المدير التنفيذي ان يقدم نفسه على انه الحصان الرابح وان «القدماء» يرونه كذلك ليشجع المترددين على الانضمام الى شقه، مع تقديم بعض التنازلات الشكلية، التي قد يقع النكوص بها لاحقا، فما يبحث عنه المدير التنفيذي هو حشد حلفاء في صفه لمواجهة الشاهد الذي يعتبره عقبة كبرى يجب تجاوزها قبل إعادة خلط الأوراق، فالمؤتمر الموعود للحزب لن يجرى قبل حسم الصراع بين حافظ ويوسف.