بعد صدور كتاب الجديد «خيبة أمل الياسمين» راضي المؤدب يتحدث لـ«المغرب» : ملفات البلاد ثقيلة والفيصل فيها الكفاءة والابتعاد عن الشعارات السياسوية والشعبوية

راضي المؤدب صاحب الإصدار الأخير «خيبة أمل الياسمين»

Le désenchantement du jasmin خريج «البوليتكنيك» وصاحب مكتب دراسات «كرمات» هو بين الكفاءات العليا للبلاد الذي لم يقصر نظره ومنذ ثلاثة عقود فقط على مجالات اختصاصاته الاقتصادية الواسعة بل سعى دوما إلى أن يجمع بين النظرة إلى واقع المجتمع والدولة وما يستوجب هذا من إصلاحات شاملة للخلل في منوالنا التنموي .. وكان هذا زمن يعزّ فيه السلام والنقد وإبداء الرأي ..

كان ومازال راضي المؤدب من اشد المتحمسين للثورة واعتبرها فرصة تاريخية لإصلاح الأخطاء المتراكمة للسياسات العمومية بفضل ما تسمح به الديمقراطية من إنارة للرأي العام ومن إنتاج عقد اجتماعي جديد.
في هذا الكتاب الضخم (حوالي 570 صفحة) يجمع راضي المؤدب جملة من كتاباته خلال هذه السنوات الأخيرة في الاقتصاد والسياسة وفي الحقيقة في كل المجالات الإصلاحية الضرورية لتونس اليوم حتى لا نفقد جميعنا الأمل في ثورة الياسمين ..

عنونت كتابك بما يمكن ترجمته «بخيبة آمل الياسمين» ألا تسهم بهذا في النظرة السوداوية السائدة اليوم في البلاد ؟
إنّ إختياري لهذا العنوان لكتابي الأخير يعبّر في نفس الوقت على قلق عميق إزاء الوضع العام في البلاد سواء كان ذلك سياسيا او اجتماعيا او اقتصاديا وفي نفس الوقت عن قناعة لا تقل عمقا على إمكانية النفاذ الى مستقبل أفضل. نحن اليوم غداة الانتخابات البلدية الاولى المنظمة بعد الثورة وكلنا كنّا واثقين أن التعطش لحوكمة محلية أساسها الاهتمام بالواقع اليومي للمواطنين وتحسين ظروف عيشهم من أول أولويات المجموعة الوطنية. إلّا أنّ نتائج هذه الانتخابات جاءت صادمة مقرة بتعمّق الفجوة بين السياسة وتطلعات الشعب، بين محترفي السياسة والبلد العميق و دقّت هذه النتائج كجرس فزع لمجموع الطبقة السياسية عساها تفيق من سباتها وترجع الى الواقع المرير للشباب الباحث عن شغل، للجهات المهمشة، لانهيار القدرة الشرائية للطبقة الوسطى بما في ذلك من خطر على السلم الاجتماعية واللحمة الوطنية، لتدهور سعر الدينار، للارتفاع لا المعهود ولا المقبول للاسعار والرّاجع أساسا لتفاقم العجوزات بتنوّعها، للوضع العسير للمؤسسات الاقتصادية، لفقدان الأمل لدى الشباب و اتجاه أفواج من خيرة خبرات بلادنا نحو طرق الهجرة شرعية كانت ام لا.
كل هذه حقائق مريرة و لكن موضوعية لا يمكن لأيّ وطنيّ أن يتجاهلها، بل قد نجرم في حق البلاد ان نحن انكرناها. لا يمكن لحكيم أن يهتدي إلى وصفة ناجعة دون تشخيص موضوعي وصادق لحالة المريض. لكن يجب علينا أن لا نقف في «وَيْل للمصلّين» وأن لا نبقى فى مستوى التقييم نبكي على أيام فاتت وماض مجيد. إنّ هذا التشخيص الموضوعي وإن صعُب فهو لا يعني أبدا الاكتئاب الذي هو مرض نفسي يكون فيه المريض عاجزا عن التعويل على الذّات وأخذ أيّ قرار يخرجه من حالته المتردًّيّة.

ما أبعد شباب تونس وقواها الحية اليوم عن الاكتئاب فالكل يصْبُ إلى مستقبل أفضل ويطالب بالحق في المبادرة والخلق والإبداع. .

يجب أن نمرّ إلى العمل والكدّ والجهد وأن تشرع الحكومة في الإصلاحات الجريئة والكفيلة وحدها بالخروج بِنَا من هذا الوهن والركود وإيتاح الفرصة للعدد الأكبر من التونسيين : شبابا وكهولا، إناثا وذكورا، أصيلي الجهات الداخلية أو الساحلية، قاطني الأراضي التونسية أو من الجالية، حتّى يكونوا طرفا فاعلا في خلق الثروات قبل المطالبة بالتمتع بنتائجها، متساوين أمام الحقوق والواجبات، أمام القانون والجباية. يجب علينا إيجاد الصيغ الكفيلة بإعادة تشغيل المصعد الاجتماعي على أساس الكفاءة والتألق حتى نعطي فرصا حقيقية لكل شبابنا للمساهمة الفعلية في الرفع من أداء تونس.

عندما نقرا كتابك تعتبر أن الفشل الأساسي هو بداية فشل سياسي عندما تستقرأ حصيلة هذه السنوات السبع ، هل كان بإمكاننا تجنب ذلك ؟
إندلعت الثورة من الجهات الداخلية للبلاد وقامت على مجموعة من الطلبات كانت أساسا إقتصاديّة واجتماعيّة ثم إنضمّت إليها طلبات الحرية الآتية من المثقفين والطبقة الوسطى للمدن الساحلية فكانت ثورة الحرية والكرامة. لم يكن للطبقة السياسية لا ناقة ولا جمل لا في زعامة الثورة ولا في تأطيرها. لم يكن لمن خروجا في الشوارع و ضحوا بما لهم من عزيز أيّة مطالبة لا بإعادة كتابة الدستور ولا بإعادة تأسيس الدولة ومؤسساتها. ولكن ليس لنا أن نعيد التاريخ اليوم. قد تكون الطبقة السياسية أصابت في إعادة كتابة الدستور ووضع مؤسسات دستورية متعددة أرادت بها تحصين البلاد من خطر الرجوع الى نظم الفساد والاستبداد والاستهتار بالقيم الكونية وحقوق الانسان. إلاّ أنّ هذا المسار طال أكثر مما كان للبلاد أن تتحمّله وبعد في العديد من الحلات عمّا كان متّفقا عليه مسبقا وجماعيا. وأخطر من ذلك فإننا زهاء خمس سنوات بعد المصادقة على دستور الجمهورية الثانية لم نهتد بعد الى وضع عدد من ركائز النظام السياسي الجديد بما في ذلك المحكمة الدستورية و المجلس الأعلى للقضاء والهيئة المستقلّة للتنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة. كما لم نهتد الى اليوم الى التقسيم الاداري الجديد للبلاد مع ما يشمله من أقاليم وجهات. ومرّ هذا الوقت كله والحالة الاقتصادية والاجتماعية لأغلب مكونات الشعب تتردّى يوما بعد يوم والفوارق الاجتماعية تتسع والمشاكل تتراكم. وأفضى النظام السياسي المعتمد الى عدم الاستقرار و التداول المفرط لعديد الحكومات على السلطة وأضحى الشأن الاقتصادي مهمشا و مشتتا إذ انعدمت البرامج الحزبية الواقعية والمدروسة ولم تساعد سياسة التوافق على ألَبتّ في العديد من ملفات الإصلاحات الكبرى مخيرة عدم أخذ القرار للمحافظة على اللحمة السياسية على حلحلة العقبات ورفع الحواجز.

لقد حان الوقت بأن نتمّ بناء أسس الجمهورية الثانية وأن نمنح كلّ مؤسساتها الجديدة الامكانيّات البشرية والماديّة للعب دورها كاملا كما جاء به الدستور وأن نمنحها المهلة الزّمنيّة الكافية قبل الحكم على فاعليّتها من دونه ولن يكون ذلك بدون قبول الدولة المركزيّة التخليّ على عدد من مسؤوليّاتها التقليديّة و إمكانيّاتها الموجّهة لها لفائدة هذه المؤسسات الدستورية الجديدة.

كما حان الوقت أن نعيد الأمل لكل أبناء تونس وبناتها والثقة لشبابها وأن نعطي لكل منهم إمكانية الادماج والمشاركة فنكون بذلك قطعنا شوطا نحو التنميةالسياسية التضامن والإدماج والتميز.

بماذا ينبغي أن نبدأ الآن وبأية أغلبية سياسية ؟
لا يفصلنا اليوم عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية إلاّ سنة ونصف سيمر جزء منها لا يستهان به في الحملات الانتخابية والدعائية المختلفة. يجب على الأحزاب السياسية في هذا الوضع، إن كانت حقيقة تضع تونس فوق كلّ اعتبار، أن تنكبّ على العمل الميداني والسياسي للتعرف على احتياجات الشعب الحقيقية، لفهم العوائق القائمة أمام رفع نسق التنمية وجعلها أكثر إدماجا والتعريف بحلول لأمهات المشاكل التي ستقف أمام كل حكومة قادمة والتي تحتاج إلى حلول «خارجة عن الصندوق»، لا تثقل كاهل الضعفاء وتعمّق الفوارق بين الفئات والجهات، حلول تونسية حقا تستنبط من التجربة، تعبّؤ الطّاقات التونسية وتفضى إلى توسيع قاعدة التشغيل وخلق الثروة والحيطة الاجتماعية والجباية بدلا عن التهميش وتقليص الخدمات الاجتماعية وتفقير كلّ مكوّنات المجتمع.

إنّ من أهم الملفات الواجب معالجتها اليوم موضوع الادماج المالي الذي يساعد على الادماج الاقتصادي ثم الاجتماعي قبل أن يفضي إلى الادماج المواطنيّ وأخيرا السياسي. هنالك العديد من التجارب التي يمكن أن نستأنس بها حتّى نختزل المسار. ملفات أخرى لا تقل أهمية تحتاج إلى توضيح الرؤية و إعتماد الخيارات تهم أساسا الادماج الجبائي و معالجة العجوزات المالية العامة المختلفة بما في ذلك عجز ميزانية الدولة أو الميزان التجاري أو ميزان الدفوعات أو إعادة هيكلة الإدارة والمؤسسات العمومية وإعادة النظر في منظومة الدعم وإعادة هيكلة القطاع السياحي. كلّ هذه ملفات ثقيلة بامتياز. سيكون الفاصل فيها الموضوعية والكفاءة والبعد كلّ البعد عن المعالجات الدّغمئية والأيدولوجية والشعارات السياسويّة والشعبويّة.
يقدم راضي المؤدب كتابه الجديد يوم السبت 12 ماي بمقر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات على الساعة التاسعة والنصف صباحا

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115