لكن مع ذلك لا يزال عدد من نوابه، وهو ليس بالعدد القليل، لم يدرك بعد ان هنالك دستورا جديدا حدد قواعد اللعبة والأطر السياسية،
منذ الرابع والعشرين من مارس الفارط الى يوم أمس، كثيرة هي الأدلة على ان جزءا لا باس به من نواب مجلس الشعب، ورغم مضي أكثر من نصف عهدتهم الانتخابية، لم يستوعبوا أمرين، دورهم كسلطة تشريعية والأطر الدستورية والسياسية لعملهم.
ففي اقل من أسبوعين، خمسة حوادث وأحداث متتالية، في ظاهرها غير متصلة ولا مترابطة بل لا يمكن ربطها، لكن في جوهرها بينت ان المجلس وأهله، لم ينجحوا في إدراك ماهو واجب بالضرورة.
هنا قد تكون العودة الى الوراء امرا لا بد منه للاجابة «ما الذي لم يدرك»، ففي 2014 وتحديدا فترة الانتخابات التشريعية، التي تقدمت لها 1500 قائمة، المرشحون الاكثر من 15 الفا، يدركون، او على الاقل هذا ما ينتظر، انهم يترشحون للفوز بمقعد في مجلس نواب الشعب، ما بعد دستور 2014.هذا المجلس حددت مهامه وصلاحياته والأطر السياسية التي يعمل بها، وفق ما اقره الدستور الجديد.
دون الانغماس كثيرا في التفاصيل، كان من المفروض ان من ترشح وفاز يدرك قاعدتين: هو ممثل للشعب وفق عقد اخلاقي وسياسي، والثاني انه محكوم بنص وفلسفة الدستور، أي انه يعلم قواعد اللعبة السياسية وقبل بها ضمن حزمة من القواعد والبديهيات.
هذه القواعد تنص على ان المجلس أوكلت له مهمة صياغة والمصادقة على قوانين واليات تنزل جوهر الدستور، منها قانون الجماعات المحلية، هنا تحديدا تكشف التفاصيل وما يحدث في كواليس مجلس النواب ان أعضاء كثرا منه لا يلتزمون بهذه القاعدة.
عدم التزامهم تثبته وقائع من بينها، تكرر تأخير انطلاق الجلسات، ففي الأيام الأربعة الفارطة لم تنطلق أي من الجلسات العامة في موعدها، بل ان المعدل العام للتأخير في انطلاقها لا يقل عن النصف ساعة، مرده غياب النواب، الذين تم حث بعضهم على الالتحاق لتنطلق اشغال الجلسات العامة، لكن لم يستجيبوا كلهم.
فجلسة 3 افريل الجاري المتعلقة بمناقشة فصول مشروع القانون الأساسي عدد 2017/48 المتعلق بمجلة الجماعات المحلية غاب عنها 59 نائبا، اثنان فقط كان غيابهما مبررا لاحقا في جلسة الرابع من ذات الشهر ارتفع عدد الغائبين ليصل الى 66 اربعة منهم غيابهم مبرر، ليصل الأمر يوم أمس إلى غياب 95 نائبا، لدى انطلاق الجلسة. الاستثناء الوحيد كان جلسة الخميس الفارط، حيث تراجع عدد الغائبين الى 60 اثر نهاية الأشغال.
الغياب ليس بالأمر المستحدث، فطوال السنوات الثلاث الفارطة كان الأمر نفسه، لكن ما قد يكون مختلفا هذه المرة ان الغياب تزامن مع ارتفاع النقاشات في كواليس المجلس، وبصورة أدق التذمر مما تتضمنه مجلة الجماعات المحلية تذمر وفق جزء من النواب بات يعبر عن نفسه في اروقة المجلس نابع من الصلاحيات التي ستمنح للجماعات المحلية وان هذه الصلاحيات تهدد وحدة الدولة.
ما يقوله النواب بشكل آخر يتمثل في ان المناخات غير مهيأة لسلطة لا مركزية لهذا وجب ان يقع حد صلاحياتها، دون ان يقول بشكل صريح التراجع الكلي عن هذا التوجه، لكنهم يستبطنونه ويعبّرون عنه بتفريغ القانون من جوهره.
هذا الراي الذي يكشف عن ان قسما من مجلس نواب الشعب انتخب وفق عقد مع ناخبيه، كلهم دون استثناء تعهدوا فيه باحترام الدستور وتطبيقه واستكمال الانتقال الديمقراطي وتركيز الهيئات الدستورية وغير هذا من التعهدات السياسية.
تعهدات وقع التنصل منها تباعا وكشف ان جزءا من نوابنا ليس فقط لا ينتسبون الى منظومة ما بعد الثورة بل يعارضونها ويعارضون كل ركائزها، والاكتفاء بما صدر عن نواب هذا الاسبوع فقط سيكشف التالي، نائب يدعو الجيش الى الاستيلاء على السلطة ولاحقا ينفي ذلك في جلسة عامة ويتهم الاخرين بالافتراء عليه، والحال ان الرجل وفي تسجيل صوتي كرر قوله انه يتمنى سماع البيان رقم واحد.
«أمنية» علي بنور، دفعت زميله بالمجلس عماد الدايمي الى الدعوة «لقتله» تحت قبة المجلس الذي صادق على دستور ينص فصله السادس على ان الدولة ملتزمة بمنع دعوات الكراهية والتحريض على العنف.نائبان اذ اثبت أولهما انه لا يؤمن بما اتى به دستور الدولة التونسية برمته وليس فقط الفصل الـ18 منه الذي حدد دور الجيش في حماية والدفاع عن الوطن تحت إمرة سلطة مدنية.
نواب يشتركون مع رفاق لهم في مجلس النواب في كونهم لا ينتسبون للجمهورية الثانية، وهذا ليس بالامر الهين، فان يكون المؤتمن على تطبيق الدستور جاهلا به ليس بالامر البسيط، وللاسف ليس كلهم يجهلون الدستور بعضهم يريد ان يجعله طيعا له ولرغباته السياسية. ويبدو ان ما يشجع كل هؤلاء هو فكرة سائدة لديهم بان السياسة ليست مجالا للالتزام الاخلاقي.