هي تحتاج إلى ان تنقل كما هي دون بذل أي جهد لشرح، على غرار الخطوات الأخيرة لنقابة موظفي الإدارة العامة للأمن العمومي، التي أصدرت بيانا ونفذت وقفة احتجاجية أمام محكمة بن عروس، من اجل إطلاق سراح أمنيين متهمين بالتعذيب.
المشهد يوم أمس أمام المحكمة الابتدائية ببن عروس كان كالتالي : أزيلت الحواجز الأمنية لتسمح للسيارات بالتراصف جنبا إلى جنب لتكون كما المتراس الحائل بين الشارع والباب الامامي والرصيف الممتد على الواجهة الأمامية للمحكمة، عشرات من الأمنيين بالزي النظامي، عشرات آخرين بالزي المدني، مكبر صوت ينتقل بين الأيادي لينقل «غضب» المتجمهرين. داخل المحكمة المشهد مختلف، عشرات الأمنيين بالزي وغيره، ينتشرون في الأروقة وبين ردهة المحكمة، بما يحول دون الحركة الطبيعية داخلها.
هذا التجمع للأمنيين جاء نتيجة دعوة وجهتها نقابة موظفي الإدارة العامة للأمن العمومي، لهم مساء الأحد الفارط، في بيان صدر في ذات اليوم، الدعوة استحضرت مصطلحات، الاستنفار ،رص الصفوف، الأمني المضطهد، الضحية.
معجم استنجدت اليه النقابة للدفاع عن 5 من الامنيين التابعين لفرقة الشرطة العدلية بحمام الانف، متهمين «بشبهة تعنيف» اعتبرتها النقابة «لا علاقة لها بالواقع» كما تعلن انها تستغرب من قرار الايقاف الصادر عن وكيل الجمهورية الذي وصفت قراره بـ«المتسرع».
النقابة قدمت روايتها للأحداث التي ادت الى ايقاف ثلاثة امنيين وتتبع الاثنين الاخرين بحالة سراح، وهي عنصر ارهابي كون عصابة لـ«الاحتطاب»، تمثل في سرقة موصوفة «براكاج» لسيدة وافتكاك سيارتها تحت التهديد والعنف. اعوان الامن قاموا بايقاف عناصر هذه العصابة ليقع اكتشاف ان من يديرها «ارهابي» مورط في قضية اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، القياديين بالجبهة الشعبية. هذا التحديد لهوية رئيس العصابة كما يصف البيان يقترن ايضا بالاشارة الى انه هو من قام بالحاق اضرار بنفسه.
الرواية النقابية للأحداث انتقلت الى مرحلة اخرى، وهي القول «بان جحافل أشباه الحقوقيين والمحامين الذين عرفوا سابقا بفتح دكاكينهم لمساندة خفافيش الظلام والاسترزاق من تجارة الإرهاب» مارسوا ضغطا رهيبا على وكيل الجمهورية لإيقاف أعوان الأمن الثلاثة.
هذه الرواية التي تعتمدها النقابة الأمنية للدفاع عن منظوريها، لم تكن كافية لتحقيق الهدف، فاختارت النقابة ان تضغط هي بدورها على الجهاز القضائي، وذلك بحشد أتباعها وأتباع بقية النقابات للوقوف والدفاع عن «الأمني الضحية، المضطهد» كما وصف في البيان.
لم تقتصر الدعوة على التجمع للاحتجاج، بل تضمنت دعوة صريحة لاعوان الامن في المحكمة الابتدائية ببن عروس الى عدم تأمين جلسات يوم امس، لتنتقل الى النقطة الثالثة في خطة الضغط وهي دعوة الأمنيين الى عدم مغادرة قصر المحكمة الا حين الافراج على الأمنيين «المتهمين ظلما وبهتانا» كما يقول البيان الذي تضمن نقطة رابعة واخيرة في خطة الضغط، تمثلت في دعوة جميع الأمنيين الى عدم المثول مستقبلا امام الجهات القضائية بخصوص قضايا مرتبطة بممارسة مهامهم الامنية والتوجه الى الكاتب العام لنقابة موظفي الادارة العامة للامن العمومي الذي سيدافع عنهم بكل «الوسائل النضالية الممكنة».
من الوسائل النضالية التي لمح لها البيان التحرك أمس في المحكمة الابتدائية ببن عروس، والتحرك السابق في نوفمبر 2017 الذي استهدف مجلس نواب الشعب والنواب وتخييرهم ما بين المصادقة على قانون زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح وبين رفع الحماية عن المجلس وعن النواب ورؤساء الأحزاب الممثلة في المجلس الذي عبرت عنه حينها ثلاث نقابات امنية في بيان مشترك امهل المجلس 15 يوما لعرض القانون على جلسة عامة للمصادقة .
هاتان الحادثتان سبقتهما سنة 2014 حادثة اقتحام أعوان من الحرس لمكتب قاضي التحقيق بمحكمة سوسة 2 للمطالبة بالافراج عن زميلهم صدرت في حقه بطاقة إيداع بالسجن على خلفية مقتل شخص بإطلاق رصاص بمنطقة كندار من ولاية سوسة لعدم امتثاله للأوامر بالوقوف.
حوادث التصعيد والتلويح بعدم تامين المحاكم لا تنحصر في حادثتين فقط بل باتت متكررة كلما تعلق الامر بايقاف عون امن واحالته على القضاء تحت أي تهمة تتعلق بكيفية ادائه لمهامه الامنية.
حوادث قاسمها المشترك ليس انها صدرت عن الامنيين او مارست تصعيدا ولوحت بـ«التمرد» على الدولة او حاولت فرض ضغط على احد اجهزتها، بل تمتد القواسم المشتركة لتشمل الرد الرسمي للحكومة والوزارات المعنية عن الحادثة.
فرئاسة الحكومة امتنعت عن اصدار اي موقف، اذ احال مصدر مطلع الامر الى وزارة الداخلية التي قال انها هي من عليه ان يصدر بيانا بشأن منظوريها، الوزارة في حالة عطلة، فالمكتب الاعلامي يعلن ان ليس له أي موقف رسمي لما حدث وان مديره وهو المتحدث باسم الوزارة غادر تونس في مهمة.
في ظل هذا الصمت الرسمي تقف الاحزاب الحاكمة بعيدة عن كل ما يحدث، فلا موقف صدر عنها بشان بيان نقابة موظفي الامن العمومي تماما كما حدث في المرات السابقة، صمت يطول لينتهي بعد انفراج الازمة ببيان يعاتب ويساند الامنين في ذات الوقت.