تفاصيل عديدة امس تشابكت لتكون المشهد النهائي، مقاعد خالية بعضها لأن اهلها غادر القاعة واخرى لانهم انتصبوا وقوفا لترديد النشيد الوطني، وجوه بعضها عابسة واخرى منفرجة، في تفاعل مع نهاية اشغال المجلس الوطني الاستثنائي لحزب «آفاق تونس» الذي اتفق كل من فيه على ضرورة الحسم، واختلفوا بشان ما الذي يحسم، «مشاركة الحزب في الحكومة»
او «استفراد رئيسه بالقرار»، نقطتان لم تخل اية مداخلة منهما. لينتهي الامر الى اتخاذ قرار الخروج من حكومة الشاهد.
مع احتدام النقاش لم يعد امام اغلبية اعضاء المجلس الوطني من حل لحسم الخلاف الا المرور الى التصويت علي لائحة وقع تقديمها من قبل اكثر من ثلثي اعضائه تنص على نقطتين الاولى رفض قانون المالية والثانية الخروج من منظومة الحكم الحالية بشقيها، وثيقة قرطاج والحكومة، اذ دعا المجلس وزراءه الى تقديم استقالتهم من الحكومة. وذلك باغلبية ٩١ صوتا مع اللائحة و3 ضدها، مع تسجيل مقاطعة فريق آخر للتصويت.
قرار اتخذ مساء امس اثر يوم حافل بالنقاشات، انطلقت بـ«نحن امام خيارين البقاء في منظومة المافيا السياسية او الانسحاب منها وانقاذ الحزب» هكذا ختم ياسين ابراهيم كلمته الافتتاحية لاشغال الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني لافاق تونس المنعقد امس، لمناقشة ملف بقاء الحزب في الحكومة من عدمه، خيار يدعمه رئيس الحزب ويدافع عنه بتشديده على ان حكومة الوحدة الوطنية باتت «حكومة المافيات» وانها اضعف من ان تقود مرحلة الاصلاحات.
كلمات ياسين ابراهيم، في الجلسة الصباحية، قسمت قاعة الاجتماع الى فريقين، كلاهما يناقش فكرة الخروج من الحكومة، لكن بمنطقين مختلفين، الاول ان البقاء في الحكومة بات يغرق الحزب في منظومة المافيا ويجعله جزءا منها قبل ان يقوم بابتلاعه، وتتجسد من وجهة نظرهم في «الترويكا الجديدة» وما تمارسه من ضغط سياسي على الشاهد وحكومته لاجباره على الرضوخ لها.
هذا القول تكرر كثيرا في الجلسة الصباحية من قبل انصار فك الارتباط بحكومة الشاهد، حتى وان كان التعبير مختلفا كل مرة، ففي كلمات المتحدثين كان المعجم السياسي والعاطفي مترابطين بامتياز، حديث عن انحراف المسار السياسي المتفق عليه في وثيقة قرطاج وربط هذا بالحديث عن «الخيانة»، حديث عن تحمل الحزب لجزء من مسؤولية فشل الحكومة رغم محاولاته اصلاح الاوضاع من الداخل وهذا يرتبط بالتشديد على خطر كل هذا على الحزب ومصيره، بعضهم دمعت عيناه.
صباح امس كان كل شيء في القاعة يقول بان قرار الخروج اتخذ وبات الامر مقضيا، حتى بعد تدخل النائب الثاني لرئيس الحزب سميرة مرعي التي اعلنت عن الخطوط العريضة للمنطق الثاني، الذي اختار ان ينقل الحوار الى خانة اخرى، وهي استفراد رئيس الحزب بالقرار وجره لبقية الاعضاء الى التنفيذ، هذا ما شددت عليه سميرة مرعي وعدد اخر من قادة الحزب جعلوا النقاش يتجه الى كيف يسير الحزب ومن يسيره والى اين.
نقاط حاول بها المتحدثون من الرافضين لفكرة الخروج ان تكون محورية في كلماتهم لجلب جزء من القاعة الى تصورهم، القائم على ان ما يحدث في الحزب وحسمه بصفة نهائية اهم من ملف الحكومة، موقف سبق وان طرح في رسالة استقالة رياض المؤخر من رئاسة المجلس الوطني وتجميد عضويته في الحزب الى اشعار اخر.
رسالة جاء فيها ان سبب الاستقالة هو «التفرد بالرأي» الذي جعل من الخط السياسي «مضطرب وضبابي» ،قد تجسد ذلك في انقسام النواب اثناء التصويت على قانون المالية، قانون قال المؤخر انه كان من المفترض ان يصوت نواب الحزب لصالحه لانهم جزء من الحكومة. هذا الجزء الاول اما الثاني فقد كان توجيه انتقادات واضحة لرئيس الحزب الذي شدد المؤخر على انه استقال ليترك له حرية تسيير الحزب بعد ان تفاقمت الخلافات حول كيفية ذلك بينهما.
الخلاف شمل نقطة اساسية، وهي استراتيجية الحزب في خوض الانتخابات البلدية، ليقول الوزير ان رئيس الحزب يريد ان يغادر الحكومة لمضاعفة حظوظ حزبه، فيما يرى، المؤخر، ان هذا خطأ، قراءة اعاد المؤخر تقديمها لكن هذه المرة على اسماع اعضاء المجلس الوطني، الذي التحق بقاعته مساء امس، رغم تجميده لعضويته في الحزب.
المؤخر التحق مساء ليصعد في خطابه ضد رئيس الحزب، بعد ان بات محور نقاشات الجلسة المسائية البحث عن حل وسط يحول دون انقسام الحزب، مشاركة تمسك المؤخر انها لا تعني تراجعه عن تجميد العضوية، وانما توضيح نقاط عدة أثارت بشانه في كلمات جزءا هاما من المتدخلين، تعرضت اليه واتهمته بتقديم مصلحته على مصلحة افاق تونس.
كلمات رياض المؤخر ساهمت في تصعيد التوتر في القاعة اكثر مما هو عنه واسقطت خيار تاجيل الحسم الذي طرح ووقع الدفاع عنه في الحصة المسائية لاشغال المجلس، خيار عبر عنه بمصطلحات التريث» «التأجيل» وعدة عبارات اخرى وقع تضمينها في كلمات المتدخلين، ابرزهم كان فوزي عبد الرحمان، وزير التشغيل في حكومة الشاهد والنائب الاول لرئيس الحزب، فمن وجهة نظره الوضع والسياق الراهن يستوجبان العودة الى تحديد هوية الحزب وخياراته ومواقفه السياسية بصفة نهائية وكلية لمنع التفرد بالراي او تذبذب المواقف وتناقضها.
عبد الرحمان حرص في كلمته على ان يبرز ايضا انه ومهما كان قرار الحزب فانه لن يستقيل منه، ولكنه يفضل ان لا يقع اللجوء الي التصويت عبر آلية «passage en force»، هذه الالية هي التي اثارت مخاوف قسم هام من الحزب ونبه اليها المؤخر لدى مداخلته مساء امس، التي رفض بعض اعضاء المجلس السماح له بها. حتي رغم اعلانه انه وان وقع تقرير الخروج من الحكومة فانه سيستقيل من الحكومة، وانه ملزم بقرار الحزب حتى وان كان رافضا لطريقة تسييره من قبل ياسين ابراهيم.
المؤخر عاد لاحداث توازن جديد في القاعة لكنه لم يتمكن بعد ان بات التباين اشد وضوحا بين الصفين، واختار الاغلبية الذهاب الى التصويت على البقاء او الخروج من الحكومة، مما دفع بفوزي عبد الرحمان الوزير ونائب الرئيس وسميرة مرعي نائبة الرئيس وحافظ الزواري النائب بمجلس نواب الشعب رفقة كريم الهلالي رئيس المكتب السياسي الى الانسحاب من القاعة احتجاجا على الذهاب الى التصويت. مغادرة اقترنت بتشديد اهلها على ان ما حدث هو انقسام الحزب وتاكيد لـ«هيمنة ياسين ابراهيم على القرار» هيمنة دفعت بعبد الرحمان الى تحميل ياسين مسؤولية انقسام الحزب، وما سيتبعه من تداعيات عليه.
الاحتجاج بترك المقاعد خالية لم يحل دون الذهاب الى التصويت على لائحة تضمنت اعلان الخروج من الحكومة وانهاء الالتزام بوثيقة قرطاج. والى اعلان مرحلة جديدة في الساحة السياسية عنوانها نهاية حكومة الوحدة الوطنية وبداية مسار جديد.