قراءة وتحليل زياد كريشان
يكشف الباروميتر السياسي لشهر نوفمبر الذي تنجزه مؤسسة سيغما بالتعاون مع «المغرب» أننا بلغنا مستويات قياسية في التشاؤم (ثاني أعلى نسبة على امتداد ثلاث سنوات )..وقد صاحب هذه الموجة تراجع الثقة بنسب متفاوتة في رأسي السلطة التنفيذية وكذلك في أهم الشخصيات السياسية سلطة ومعارضة فاقمها إحساس التونسي بأن وضعه المالي بصدد التدهور إذا ما قارناه بالسنة الماضية.
عندما نتابع الرسم البياني لمنسوب التشاؤم في البلاد منذ شهر جانفي 2015 تاريخ أول إصدار للباروميتر السياسي الشهري لمكتب سيغما بالتعاون مع «المغرب» نلاحظ تراوحا بين فترات التشاؤم الكبير وفترات من الانفراج النسبي،ولكنّ الاتجاه التشاؤمي في تصاعد مستمر قد بلغ ذروته في ماي الماضي بـ%80.1 ولكن جاءت حملة رئيس الحكومة على الفساد لتنزل هذه النسبة في شهرين فقط بحوالي ثلاثين نقطة لتبلغ %52.1 في جويلية الفارط ولكن بعد هذا الانفراج النسبي عدنا من جديد إلى سلسلة جديدة تشاؤمية بلغت في هذه الشهر %78.9 وهي ثاني أعلى نسبة منذ جانفي 2015..
عندما نصل إلى هذا المستوى يصبح من غير المجدي الحديث عن تنوع نسبة التشاؤم بحسب أهم الأبعاد الاجتماعية والجندرية والجيلية والجهوية والمعرفية إذ لا نجد فئة اجتماعية واحدة نزلت فيها نسبة التشاؤم تحت %68 .نحن أمام معطى هام سوف يلقي بظلاله على المستويين الاجتماعي والاقتصادي للأشهر القادمة..
تراجع طفيف للرضا عن رأسي السلطة التنفيذية
من إحدى نتائج موجة التشاؤم هذه تراجع درجة الرضا عن أداء رأسي السلطة بصفة ضعيفة فيما يخص رئيس الحكومة (%-0.3) ليكون مجموع الرضا عنه في حدود %76.6 بعد أن بلغ ذروته في أوت الماضي بـ%81.7
في المقابل تراجع الرضا عن أداء رئيس الجمهورية بثلاث نقاط (3.1 % -) لينزل من جديد تحت عتبة %50 (%47.3) ولكن حتى نسبة الرضا المرتفعة عند رئيس الحكومة إنما تستند إلى ثلث صلب من الرضا الكبير بينما يبقى المكون الأساسي لهذا الموقف الايجابي هو من صنف الرضا النسبي..
ولكن اللافت للنظر هو الفرق الهام بين رأسي السلطة التنفيذية والذي ناهز هذا الشهر الثلاثين نقطة أي وكأنّ رئيس الجمهورية هو المسؤول الأول عن السير المتعثر للبلاد بينما يحافظ يوسف الشاهد عند ثلاثة أرباع المستجوبين على رصيد ايجابي رغم تآكله النسبي خلال هذه الأشهر الأخيرة
تراجع مهم ليوسف الشاهد وسامية عبو
تبوأ يوسف الشاهد وسامية عبو طليعة مؤشر الثقة الكبيرة في الشخصيات السياسية خلال هذه الأشهر الأخيرة ولكن نلاحظ تراجعا هاما عند الاثنين بـ%5.2 عند الشاهد و%4.5 عند عبو ممّا خفض كثيرا من الفارق الذي كان يفصلهما عن بقية الشخصيات السياسية وهذا ما سمح لوزير التربية السابق ناجي جلول بالصعود إلى المرتبة الثالثة والاقتراب من هذا الثنائي ..وللتذكير فإن ناجي جلول ظل متربعا على عرش هذا الترتيب أكثر من سنة عندما كان وزيرا للتربية..
ويتمّم خماسي الطليعة الصافي سعيد وعبد الفتاح مورو رغم تراجعهما بحوالي نقطتين ونصف ..
حافظ قائد السبسي في المؤخرة
مقابل خماسي المقدمة نجد أن خماسي المؤخرة يتشكل من الهاشمي الحامدي وسليم الرياحي ومهدي بن غربية بمنسوب ثقة %6 ويتقاسم المرتبة الاخيرة برهان بسيس وحافظ قائد السبسي بـ%5
والجدير بالتذكير بأن هذه القائمة التي تعد 32 شخصية سياسية إنما يتم تصميمها بناء على دراسة فصلية (كل ثلاثة أشهر) لنتعرف على الشخصيات الأكثر شهرة عند التونسيين.
المستقبل السياسي للشخصيات العامة
ما لاحظناه بشأن الثقة الكبيرة في الشخصيات السياسية يبقى صالحا بالنسبة لمؤشر المستقبل السياسي للشخصيات العامة مع تطورات طفيفة كتبادل المواقع بين الناجي جلول والصافي سعيد في خماسي الطليعة وكخروج سليم الرياحي من خماسي المؤخرة مقابل التحاق نورالدين البحيري به .
كما لم نلاحظ تغييرا يذكر بالنسبة لثقة القواعد الندائية والنهضوية في الشخصيات الحزبية المحسوبة عليها..
ما يمكن ملاحظته هو أنه لا يوجد أي قيادي حالي للنداء ضمن الشخصيات الخمس الأولى التي تحظى بمنسوب ثقة كبير عند الندائيين وهم يوسف الشاهد وناجي جلول وسعيد العايدي ومحمد الناصر ومحسن مرزوق ..مع العلم بأن سعيد العايدي ومحسن مرزوق قد غادرا النداء منذ مدة وأسسا حزبين آخرين ولكن القاعدة الندائية مازالت تنظر إليهما باعتبارهما من الندائيين التاريخيين في حين أن المدير التنفيذي لنداء تونس حافظ قائد السبسي يأتي في المرتبة السادسة ولا يثق فيه كثيرا من الندائيين سوى %6 فقط..
أما في ما يتعلق بالقواعد النهضوية فما زالت الريادة لعبد الفتاح مورو والملاحظ هو صعود النائبة النهضوية محرزية العبيدي إلى المرتبة الثالثة .
تقييم التونسيين للوضع العام
موجة التشاؤم التي تحدثنا آنفا عنها تتجلى بوضوح عندما نسأل التونسيين عن توصيفهم للوضع المالي الحالي لأسرهم مقارنة بالسنة الماضية فنجد أن الثلثين (%66.7) يرون أنه قد أصبح أسوأ من السنة الفارطة وذلك بزيادة ست نقاط كاملة في شهر واحد ..
أما عندما نسأل التونسي عن توقعه لوضع أسرته للسنة القادمة مقارنة بهذه السنة فترى أغلبية نسبية (%44.3 مقابل %33.1) بأن الوضع سيكون أسوأ في حين أن الغلبة في الشهر الماضي كانت لفائدة المتفائلين .. وهذا يعني أننا أمام تشاؤم متعاظم في تقييم الوضع العام وفي انعكاساته أيضا على الوضع الخاص لكل أسرة..
أما عندما نطلب من العينة رأيها في مستقبل الأجيال القادمة مقارنة بوضعنا الحالي فنجد تقييما سلبيا عند غالبية التونسيين (%59) وهي تكاد تكون نفس نسبة الشهر الماضي..
وعندما نذهب من التقييم الخاص إلى التقييم العام نجد أرقاما مفزعة : فالوضع الأمني ايجابي بالنسبة لثلاثة أرباع التونسيين رغم تسجيلنا لتراجع بحوالي 4 نقاط أما الوضع الاجتماعي فهو جيّد فقط بالنسبة للخمس (%21.8) ويليه الوضع الاقتصادي بـ%9.5 فقط بينما يعتبر %90 من المستجوبين بأن الوضع الاقتصادي سيء..
وعندما ندقق النظر أكثر نجد أن %27 فقط يرون أن الوضع الأمني جيّد جدّا بينما يرى %2.2 فقط بأن الوضع الاجتماعي جيد جدا و%1.4 بالنسبة للوضع الاقتصادي !!
ثقة التونسي في المؤسسات والهياكل
تراجع كبير لرئاسة الجمهورية
تحظى مرة أخرى المؤسسة العسكرية بإجماع وطني لا نظير له إذ تحظى بثقة %98 من التونسيين تليها المؤسسة الأمنية بـ%84 ويتكون ثنائي المؤخرة دوما مجلس نواب الشعب بـ%33 والأحزاب السياسية بـ%22 وذلك رغم ربحهما لبعض النقاط خلال هذا الشهر أما الملاحظة الأبرز فهي تراجع الثقة في رئاسة الجمهورية بسبع نقاط (من %54 إلى %47) وكذلك بست نقاط بالنسبة للإعلام (من %63 إلى %57) ..
الارتفاع الهام الوحيد نسجله لفائدة جمعيات المجتمع المدني من %62 إلى %66 وكل هذه المؤشرات تدل بوضوح على أزمة الثقة الكبيرة للتونسيين في جلّ المؤسسات السياسية الجديدة
أولويات التونسي وتقييم العمل الحكومي
نلاحظ في هذا الباروميتر تغيرا طفيفا في ألولويات التونسي..فالثالوث الأول هو مكافحة الفساد والحدّ من البطالة وتحسين ظروف العيش بينما تتراجع مكافحة الإرهاب إلى المرتبة الرابعة وهذا يعكس الهواجس الاجتماعية والاقتصادية عند جلّ التونسيين ..
قد يعود هذا إلى نوع من الاطمئنان في نجاحات الحرب على الإرهاب وإرساء الأمن وهذه فقط نجاحات الحكومة الحالية بالنسبة للتونسيين بينما ترى الغالبية الساحقة أن هنالك إخفاقا ذريعا في كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية الأخرى..
خلاصة القول بأن منسوب التشاؤم هو الطاغي في هذا الشهر وهو يعكس حالة من عدم الرضا عن الطريقة التي تدار بها شؤون البلاد ..فعناصر الثقة في تراجع في جلّ المستويات ..
معطيات لا يمكن للطبقة السياسية خاصة وللنخب عامة أن تتجاهلها وإلا اتسعت الشقة بينهم وبين سائر المواطنين بصفة قد يكون تراجيدية..
الجذاذة التقنية للدراسة
العينة : عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي
مكونة من 948تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية،الولاية ،الوسط الحضري أو الريفي .
طريقة جمع البيانات : بالهاتــــــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
نسبة الخطأ القصوى %3
تاريخ الدراسة : 30 أكتوبر 2017 إلى 2 نوفمبر 2017